تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن الناحية الاقتصادية تعتبر الوصية طريقا من طرق نقل الملكية، متمثلا في نقل عين أو منفعة، جزئيا، أو كليا إلى الموصى له بعد موت الموصي، شريطة أن لا تتجاوز ثلث التركة، وأن لا يكون الموصى له وارثا. ويمكن تأويل هذين الشرطين اقتصاديا بحرص المشرع على المنافسة العادلة، فالوارث إذا أخذ نصيبه من الميراث بالإضافة إلى ما أوصى له به الهالك فإن حظوظه تكون أكثر، ومن ثم ينعدم شرط المنافسة العادلة وهو المساواة.

أما الشرط الثاني فإنه يبين عدالة التوزيع التي أقرها الشارع الحكيم حيث يتم توزيع المال عن طريق الميراث بشكل دوري كل جيل، مما يوسع قاعدة المالكين،ويمكن من المنافسة العادلة، ويحظ على الاستهلاك، ويشجع الاستثمار.

كما يمكن تأويل هذين الشرطين اجتماعيا بحرص المشرع على التماسك الأسري، والتكافل بين أعضاء الأسرة، فإذا أوصى المالك بكل ماله للغير، أو بالقسم الأكبر فإن ذلك مدعاة لتفكك الأسرة، وملئ النفوس بالإحن والأحقاد، وكلها آفات نفسية تكون لها عواقب وخيمة تهدد سلم وأمن المجتمع.

وتعمل الوصية - بالشروط المذكورة - على توثيق الروابط الاجتماعية، حيث يتاح للمالك التبرع بماله سواء كان عينا، أو منفعة، أو دينا. ولا تنتقل الملكية إلى الموصى له إلا بعد موت الموصي.

والوصية مكملة لما لا يمكن للميراث الوفاءبه، عملا بمبدأ تكامل أحكام الشريعة الإسلامية وتآزرها تحقيقا لمقاصدها السامية، حيث تعمل على تدعيم قاعدة التوزيع، وتوسيع نطاق المالكين،بتجاوزها الورثة إلى غيرهم من الفقراء والمحتاجين،مما يمكنهم من القدرة على المنافسة، والقدرة على الاستهلاك، وتشجيع الاستثمار، والزيادة في الإنتاج، مما يعمل على تحقيق الرفاه الاقتصادي. وفي ذلك تحقيق للعدالة الاجتماعية، المتمثلة في خلق مجتمع تعادلي، يتساوى الناس فيه في الغنى، بأن يضمن حد الكفاية، ثم يفتح المجال بعد ذلك للمتفوقين، والمتميزين ليبرزوا مهاراتهم، ويحققوا بموازاة ذلك تميزا ماديا.

وينبغي أن نتبين أن الوصية لا تخرق القاعدة الشرعية المتمثلة في تحديد زمن الملكية في حياة المالك، وأن التصرف ينتهي بوفاته، ذلك أن الوصية بما أنها تصرف للمالك في ماله بعد وفاته استثناء تبرره الجوانب الاقتصادية والاجتماعية السالفة الذكر. ليظل التحديد الزمني للملكية هو القاعدة.

وقد حصل خلاف بين العلماء في أولى الحقوق بالتقديم، ومدار الخلاف في اعتقادي يتعلق باختلاف وجهات النظر حول القضايا التالية:

أ ـ اعتبار المصلحة:حصل في هذه المسألة خلاف بين علماء الأمة، فمنهم من اعتبر المصلحة العامة أولى بالتقديم، وقد اصطلحوا عليها بحقوق الله. ومنهم من يقدم المصلحة الخاصة، وقد اصطلحوا عليها بحقوق العباد، وبالنسبة للمواريث تدخل ضمنها مصالح:

1 ـ مصلحة الميت، والمتمثلة في تجهيزه ودفنه.

2 ـ مصلحة أصحاب الحقوق:

- أصحاب الحقوق المتعلقة بذمة المتوفى كالدين.

ـ حق الموصى لهم.

ـ حق الورثة.

وفي اعتقادي فإن تقديم أحد هذه الحقوق على الحقوق الأخرى رهين بواقع الأمة، ومراعاة المصلحة العامة دون الإضرار بالمصلحة الخاصة، تحقيقا لمقصد المشرع في بناء مجتمع تعادلي، يضمن فيه حد الكفاية، ويسمح فيه لأهل الكفاءة والخبرة بالتميز والتفوق، مما يفسح المجال للإبداع، والتميز، والتفوق، دون الإخلال بالسلم النفسي والاجتماعي، الذي لا يمكن أن نتصور تحقق الرفاه الاقتصادي بدونهما.

ب ـ النظر إلى مفهوم العبادة:العبادة في التصور الإسلامي هي كل أمر يصدر من الله تعالى بالفعل أو الترك، سواء تعلق الأمر بما يصطلح عليه بالعبادات أم المعاملات، فإذا أقامه المكلف فقد أقام العبادة لله تعالى. وللعبادة وظائف متعددة، منها الوظيفة الاجتماعية، حيث تعمل العبادة على خلق مجتمع فاضل، متعادل، ومن ثم فإن المشرع اشترط فيها النية وهي القصد الحسن، بأن تكون خالصة لله تعالى، حتى تؤدي الوظائف التي أناطها بها الله سبحانه، وحتى تتسم أعمالنا بالإبداع والإتقان، وهما من مقتضيات الإخلاص.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير