والعبادة فضلا عما سبق شأن شخصي،بمعنى أنها فعل المكلف، ومن ثم فهي مسؤولية شخصية،يتعين على الفرد القيام بهابأركانها وشروطه، محققة لأهدافها ومقاصدها، ومن شروط صحة العبادة أداؤها في وقتها، ذلك أن المقاصد والأهداف التي أناطها الله تعالى بها لا تحتمل التأجيل،بل لابد من المبادرة إلى أدائها في وقتها، حفاظا على السلم في النفس والمجتمع، ونشر الفضيلة، وتحقيقا للتعادلية.
ولما كانت الزكاة وغيرها من حقوق الله ـ بما أنها عبادة ـ شأنا شخصيا، لابد فيه من نية وفعل المكلف، فإذا فرط فيها المكلف حتى أدركته الوفاة فإنها تسقط، لأنها حق متعلق بذمة الهالك، مفتقر إلى نيته وعمله، وقد فاتا بوفاته، ومن ثم فلا يمكن أن تؤدى عنه. وفي ذلك تحفيز للمكلف على المسارعة إلى الوفاء بها في حياته، تحقيقا للنفع العام، ووفاء بحقوق الغير التي لا تقبل التأجيل إلى ما بعد وفاة المكلف. لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على عدالة التوزيع، حيث يظل المال محبوسا في أيد قليلة، وعدم تمكين فئات المجتمع الفقيرة من حقهم في أموال الأغنياء، قد تكون له آثار سلبية على اقتصاديات المجتمع، حيث تضيق قاعدة المالكين، مما يترتب عنه ضعف القوة الشرائية، مما يعني قلة الاستهلاك، الذي تكون له آثار سلبية على الإنتاج.
كما أن القدرة على المنافسة العادلة تضيق، وكلها معضلات اقتصادية يتسبب فيها تأجيل الوفاء بحقوق الله تعالى التي هي حق المجتمع إلى ما بعد الموت.
أما الآثار الاجتماعية السلبية فإنها تتمثل في تركز الثروة في أيد قليلة، مما يجعل المجتمع ينقسم إلى طبقات، إحداها تملك كل شئ، والأخرى لا تملك شيئا، مما يورث حقدا اجتماعيا، يتهدد سلامة وأمن المجتمع.
ج - النظر إلى طبيعة الحق:اختلفت نظرة الفقهاء لطبيعة الحق المتعلق بالتركة، هل هو متعلق بالذمة، أم متعلق بعين المال.
1 - فإذا كان الحق متعلقا بالذمة فإنه أحد أمرين:
- يؤخر، إذا كان مستحقا عند الوفاة، كالزكاة مثلا فإنها إذا كانت مستحقة عند وفاة المالك فإنها تخرج من التركة بعد أداء حق الميت، وحقوق العباد.
- يسقط، إذا كان المكلف قد فرط في أدائه لسنوات خلت، فإذا فرط المكلف في إخراج الزكاة لسنوات عدة فإنها تسقط لأنه متعلقة بذمته، ومفتقرة لنيته وعمله كما سبق أن بينا.
- إذا كان الحق متعلقا بعين المال فإنه يقدم على غيره من الحقوق ن فهي كالرهن الذي لا بد من أدائه ليسلم المال، ومن ثم فإن من الفقهاء من اعتبر الزكاة التي يفرط المكلف في أدائها إلى أن يدركه الموت بمثابة رهن، ويعتبر ذلك منهم حرص على مصلحة الفقراء والمساكين، وتأمينا لحاجات المستضعفين، تطبيقا لقاعدة التوزيع العادل للثروة، مما يعمل على توسيع قاعدة الملاك، وتوفير القدرة على المنافسة العادلة، وحرصا منهم على إحداث التوازن بين أضلاع المثلث الاقتصادي:
1 - الاستهلاك.
2 - الاستثمار.
3 - الإنتاج.
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[23 Nov 2006, 12:02 م]ـ
معايير توزيع التركة:
وضعت الشريعة الإسلامية نظاما محكما لتوزيع التركة، وهو يحتكم إلى المعايير التالية:
1 - القرابة: يعطى الميراث للأقرب الذي يعتبر شخصه امتدادا في الوجود للشخص الهالك وذلك تمشيا مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها،مصداقا لقوله تعالى:
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)
سورة آل عمران، الآية 14
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)
سورة الكهف، الآية 46
فحب التملك، وحب الاستمرار سببان من أسباب عمارة الأرض، تحقيقا لمبدأ الاستخلاف، والميراث سبب من أسباب التملك من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يعمل على نقل الملكية من السلف إلى الخلف بطرق سلمية، فالنفس تستجيب لدواعي الفطرة فالميراث يعمل على إعطاء ما يحبه الإنسان (المال) لمن يحبه
(أصوله وفروعه)، مصداقا لقوله تعالى:
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون وللنساء نصيب)
سورة النساء، الآية 7.
فكما يرث الإنسان كل أو بعض صفات أبويه الخلقية والخلقية، فإنه يرث عنهما كل أو بعض حصيلة جهدهما وعنائهما.
¥