إن الميراث من الناحية الاقتصادية عنصر أساس من عناصر تداول المال،وانتقال الملكية من جيل إلى آخر بطريقة سلمية، وذلك بتقسيم التركة على عدد كبير من أقرباء المتوفى بناء على قاعدة " الغنم بالغرم ".
حرص المشرع على تقديم الأولاد في الميراث تحفيزا للإنسان على الاستثمار والادخار والعمل الجاد والدؤوب،فالله تعالى استخلف الإنسان في الأرض، للسعى فيها إصلاحا لا إفسادا، وأن يعمل على عمارتها بمختلف مظاهر العمارة، وقد أشهد الله تعالى ملائكته على هذا الاستخلاف:
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)
سورة البقرة، الآية 30.
" إن الإنسان مفطورعلى التسامي والاستكمال، ومقتضى ذلك الاستزادة من نعم الله تبارك وتعالى، ولا يتأتىله ذلك إلا بزيادة الإنتاج، ولايزيد الإنتاج إلا بالاستثمار".
وجعل الحق سبحانه سعي الإنسان في الأرض تعميرا وبناء (الاستثمار) مظهرا من مظاهر التكريم:
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
سورة الإسراء، الآية 70.
وبما أن الإنسان عمره محدود، وأن عقبه هم امتداد له في الزمان، فإن انتقال حصيلة عمله،وكده، وجهده،وجهاده،من ثروة إلى من يخلفه،يكون حافزا مهما على العمل لإنتاج الثروة، بل الاستمرار في العمل إلى آخر رمق لتنمية هذه الثروة والمحافظة عليها،لتأمين مستقبل من سيخلفه في عمارة هذه الأرض،وهم أبناؤه وعقبه.
" إن انتقال ملكية المال إلى ورثة مالكه هو حق وعدل، ونظام اقتصادي سليم، فالذي يعمل ويكد، ويحصل ما يزيد عن حاجته، ثم يجتمع له من هذا الفائض شئ إلى أن يدنو أجله، فهذا المال هو حق لذوي قرابته من ولد، وزوج، وغيرهم، فإنه إذا لم يمكن الإنسان من الجمع للمال لهذا وذاك لانهار الاقتصاد، إذ سيبدد مالك المال ماله فيما لا يفيد، بل سيعمد حتما إلى التخريب الاقتصادي، باستهلاك رأس المال فيما لا يدر نفعا، ولا يقيم إنتاجا، طالما المال لن تملكه ورثته ".
و الميراث طريق مشروع من طرق الحصول على المال، وهو خلافة إجبارية في المال الحلال. أما الكسب الحرام فإن حكمه إرجاعه إلى أصحابه إذا علموا، أو التصدق به على ذوي الحاجات من فقراء المسلمين، على نية التخلص من ابتلاء ابتلي به.
وحكم الملك بالإرث بقاء الملك،لأن الوارث يتملك مال مورثه بمجرد وفاته واستخلاص الحقوق المتعلقة بالتركة أو بذمة المتوفى، و بذلك يكون الميراث بمثابة تصفية لتركة الميت، فبعد الوفاء بحقوق الله،وحقوق العباد. يتم اقتسام ما بقي من التركة على الورثة. ومن ثم فإن الميراث نظام شرعي لانتقال الملك لما بعد وفاة المالك.
كما أن الميراث من القيود التي فرضتها الشريعة الإسلامية على الملكية، حماية لها من كل اعتداء، وصيانة لها من أن تتحول إلى وسيلة للاستغلال، والاستكبار، حيث عمل المشرع على تقييد حق تصرف المالك في ملكه تقييدا زمنيا، بحصره في حياته، ولا يتجاوزه إلى ما بعد الموت، مع الالتزام بالقيود الشرعية والأخلاقية في تحصيل المال وفي إنفاقه، ومن ثم حرم المشرع الاكتناز والتبذير، مع الإرشاد إلى الاقتصاد في الإنفاق، مع السعي الحثيث إلى الاستثمار في الضروريات قبل الكماليات، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، الذي يعتبر مدخلا أساس التنمية الشاملة التي تحقق الكرامة التي ارتضاها الله لعباده، وتفضي إلى العمران الذي هو مقصد الاستخلاف.
ومن ثم فإن المالك لا يملك تدبير ماله بعد وفاته،إلا في حدود الثلث،أما ما عدا ذلك فإن المشرع قد تولى إعادة توزيع الثروة في المجتمع، بنقل الملكية إلى الورثة، الذين يصبحون المالكين الجدد شرعا.
لا يملك المالك منع وارث من الميراث، و لا يحق له التدخل في نصيب الورثة زيادة أو نقصانا. كما أن الوارث لا يحق له الامتناع عن أخذ نصيبه من التركة، وإن فعل لا يعتد بصنيعه، ويظل نصيبه ملكا خاصا به، وينتقل بعد وفاته لورثته. ومن ثم يتبين لنا أن التوريث إجباري بالنسبة للمورث والوارث على حد سواء.
بهذا التشريع الحكيم (الميراث) عمل الإسلام على انتقال الملكية، وإعادة توزيعها، بكيفية تحقق السلم في النفس، والمجتمع، وتحفز على الادخار،والاستثمار، وتحث على العمل، والإنتاج، و تشجع على البذل، والعطاء.
¥