تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما أن الميراث بتوزيعه المال بين فئات عريضة من الناس فإنه يتيح فرصا جديدة للاستثمار، بما يملكه هؤلاء الملاك الجدد من مواهب، وقدرات، وتصورات متعددة وجديدة ليست بالضرورة هي ما كان يملكه مورثوهم، مما يعمل على خلق دينامية جديدة داخل المجتمع عامة، وفي بنائه الاقتصادي بصفة خاصة وذلك بما تضخه فيه من دماء جديدة.

وفضلا عما سبق فإن الميراث يساهم بشكل فعال في حل المشكلة الاقتصادية التي تتمثل كما قلنا في تصرفات الإنسان، المتمثلة في موقفين سلبيين، يتمثل الموقف الأول في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وذلك بالاعتداء على حقه في الموارد الطبيعية، والخيرات التي أعدها الله لعباده، والميراث يحمل الإنسان على التفكر في مستقبل أبنائه، فهو لا يريد أن يورث عقبه أموالا فقط، لأن ذلك لا يحقق سعادتهم، فلا سعادة في غياب الأمن في النفس وفي المجتمع، وهذا الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع.

فالميراث يجعل الإنسان يتمتع برؤية مستقبلية، حيث يصبح الإنسان على قناعة تامة بأنه لايورث عقبه أمواله فقط،بل يورثهم كذلك أمورا معنوية لها قيمتها وتأثيرها في حياتهم، فهو يورثهم السمعة والشرف، كما يورثهم أوضاعا اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية ساهم مع أبناء جيله في صنعها وصياغتها،وقد عملت آيات متعددة على استقرارهذا الاعتقاد في نفوس المسلمين، يقول تعالى:

(وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين)

سورة النمل، الآية 16.

كما أن الإنسان المسلم على اعتقاد تام بأن الله تعالى هو المالك الحقيقي للكون كله وأنه تعالى هو الوارث الحقيقي، فمآل الكون وما فيه إليه عز وجل:

(ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير)

سورة آل عمران، الآية 180.

وأن الإنسان مستخلف في هذه الأرض التي هي جزء من ملك الله سبحانه، بناء على عقد استخلاف بنده الأساس السعي في الأرض إصلاحا لا إفسادا، فإذا تنكب الطريق نزع منه عقد الاستخلاف، ووكل لمن يفي بحقوقه كما أراد تعالى:

(إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)

سورة الأعراف، الآية 128.

(كذلك وأورثناها قوما آخرين)

سورة الدخان، الآية 28.

والإنسان المسلم على يقين تام بأن العاقبة للمؤمنين، الصالحين، الصادقين، الخيرين: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم، وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا)

سورة الأحزاب، الآية 27.

(وأو رثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها)

سورة الأعراف، الآية 137.

(وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين)

سورة الزمر، الآية 74.

وأما الطغاة، والعتاة، والظلمة، والمعتدون، فإن مآلهم الخسران المبين في الدنيا والآخرة:

(كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)

سورة الدخان، الآية 28/ 29.

وهذا الإحساس بالمسؤولية عن مستقبل الذرية، بهذه الرؤية الشمولية، يدفع الإنسان إلى البذل، والعطاء، والعمل بكل جد وإخلاص وتفان، لبناء مجتمع آمن،يتمتع فيه كل الناس بالأمن في النفس والأهل والمجتمع، ويخرج للوجود مجتمع الكفاية لا الكفاف، مجتمع عدل يتحقق فيه التوازن بين الحق والواجب، ويؤمن للناس حياة كريمة.

يعمل الميراث - باعتباره محفزا على إنتاج الثروة وتنميتها، تأمينا لحياة العقب- على مواجهة الموقف السلبي الآخر والمتمثل في تقاعس الإنسان عن العمل الجاد والإيجابي، من أجل عمارة الأرض، مع يتطلبه ذلك من تفكر وتدبر في الطبيعة، بغية اكتشاف السنن الكونية، لامتلاك القوة المذخورة في الطبيعة، وتوظيفها لإشباع حاجات الإنسان.

ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[28 Nov 2006, 05:45 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير