تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المقصود بالعمل هنا النشاط الاقتصادي الذي يقوم به الإنسان، ومن ثم فإنه يكون كل عمل يتجه إلى إنتاج سلعة، أو خدمة ذات ثمن في المجتمع للوفاء بحاجاته ومطالبه المادية والمعنوية.ومعنى ذلك أن العمل يتمثل في " كل إجهاد ذهني أو عضلي، يهدف به الإنسان إلى إيجاد شئ يسد به حاجاته، والعمل بهذه الصفة واجب إسلامي يقول الله تعالى:

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

سورة التوبة، الآية 105

(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)

سورة الملك، الآية 15.

والعمل سلوك ظاهري يجد جذوته المتقدة في حرص الإنسان على الحياة، ومن ثم كان دافع العمل هو أقوى الدوافع النفسية وأولاها بالرعاية لأنه من الفطرة.

يعمل الميراث على نقل المال من المالك إلى عقبه وقرابته، ومن ثم فهو ينقل ما يحبه الإنسان (المال) إلى من يحبهم (الذرية والأقارب)، وهذا المال المنقول يكون صاحبه قد حصله بطرق شرعية، أهمها العمل، الذي يدمج المال في الدورة الاقتصادية، فبتظافر المال والعمل يكون هناك الإنتاج.ومن ثم " فإن العمل في عرف الاقتصاد الإسلامي متقوم برأس المال،وقد يكونان متساويين … فلا يحق لرأس المال أن ينفرد بالتمتع بأي امتياز أصلا تجاه (العمل)، لأن العمل في نظره رأسمال معادل".

وقد شرع الإسلام تشريعات تحرر رأس المال من الكنز والإتلاف، ويمكن إجمال هذه الإجراءات الحمائية في:

1 ـ صيانة الملكية الخاصة من كل اعتداء، أي ضمان حق الإنسان في تملك ما اكتسبه عن طريق العمل، وغيره من الطرق الشرعية.

2 ـ نقل ملكية المال بعد موت المالك لأحب الناس إليه، وهم ذريته وقرابته، وذلك بقدر الحاجة والمسؤولية، وفق النظرية الإسلامية في توزيع الثروة.

وإذا لم يكن الإنسان يكد، ويتعب، ويبذل كل الجهد والمعاناة في تحصيل المال للانتفاع به في حياته، وتأمين حياة ذريته وقرابته بعد وفاته، فإن الإنسان سيسلك سلوكا مدمرا للاقتصاد، إذ إنه سينزع إلى تبذير أمواله في سفاسف الأمور،كما أنه سيتقاعس عن العمل، إذ لا جدوى من العمل، والتعب، والمعاناة،ويصبح الإنسان متواكلا،و عدميا، و عبثيا.

ومن ثم الشرع الحكيم حمى الملكية الخاصة، وصانها من كل عدوان في حياة المالك، ونقلها لمن يحب بعد موته، كل ذلك تحفيزا له على العمل، والأخذ بالأسباب، وتحمل مسؤولية الاستخلاف في الأرض بكل إيجابية، مصداقا لقوله تعالى:

(لقد خلقنا الإنسان في كبد)

سورة البلد، الآية 4.

فنتاج الجهد البشري هو القيمة، فأساس الثروة في الأرض هو العمل، والإنسان مطالب ببذل أقصى الجهد لتحصيل الثروة، وذلك بعمارة الأرض، واستخراج ثمراتها، والسعي فيها إصلاحا لا إفسادا.

والإنسان وهو يسعى في الأرضا تشييدا وبناء متأكد أن عمله هذا عبادة، فما العبادة إلا أمر يصدر من الله تعالى فإذا أقامه المكلف فقد أقام العبادة لله سبحانه،ألم يؤمر بالسعي في مناكب الأرض مكتشفا السنن الكونية، مستفيدا من القوى المذخورة في الطبيعة، وتسخيرها لإشباع الضروريات،وتلبية الحاجات، محققا مجتمع الكفاية لا الكفاف، نزولا عند أمر الله تعالى:

(ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش)

سورة الأعراف، الآية 10.

(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضله)

سورة الجمعة، الآية 10.

(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)

سورة الملك، الآية 15.

وتبين الآية الكريمة أن السعي مقدم على الأكل:

(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)

مما يفيد أن العمل هو أساس الحصول على ما تقوم به الحياة البشرية الطبيعية، فالسعي أساس الكسب.

والإسلام عندما جعل العمل أساس النظام الاقتصادي - أي إن القيمة هي نتاج الجهد البشري، أو ثمرة العمل حسب الاقتصاد الحديث - لا نجده يتطرف في مبادئه، فلا يحرم العامل من ثمرة جهده بعدم الاعتراف بالملكية الخاصة، إو بإلغاء الميراث كما فعلت الشيوعية، لأنك إذا حرمت العامل من نتاج عمله فإنك تكون عمليا قد حرمت العمل من ثمرثه،ومن ثم قرر الإسلام حق العامل في التمتع بثمرة عمله، مصداقا لقوله تعالى:

(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)

سورة النساء، الآية 32.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير