تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للشيخ – رحمه الله تعالى - أقوالٌ كثيرةٌ، تجسِّدُ منهجَه في الحياةِ والبحثِ والتعاملِ معَ الآخرين، وله نظرتُه الثاقبةُ، وآراؤه الدقيقةُ، أمّا في العلمِ فقد بناها على درسٍ وتمحيصٍ وتدقيقٍ، أما في الحياة فقد أملاها ذكاؤه وبصرُه بالناس، ولن أزيد على هذا، وإنما اخترتُ نصوصاً من أقوالِه مسندةً إلى أعماله موثِّقاً جميع ما نقلتُ.

قالَ - رحمه الله تعالى -: " إذا قرأَ النَّاسُ القرآنَ الكريمَ للتدبُّرِ والعبرةِ ونيلِ الثوابِ فلا يشغلُني في قراءةِ القرآنِ إلا الجانبُ النحويُّ، تشغلُني دراسةُ هذا الجانبِ عن سائرِ الجوانبِ الأخرى.

أهوى قراءةَ الشعر، وأحرصُ على حفظِ الجيِّد منه، ولكنَّ جيِّدَ الشعر الذي يصلح لأن يحلَّ محلَّ شواهدِ النحو له تقديرٌ خاصٌّ في نفسي.

ورحمَ الله ثعلباً فقد قالَ: اشتغلَ أهلُ القرآنِ بالقرآنِ ففازوا، واشتغل أهلُ الحديثِ بالحديثِ ففازوا، واشتغلَ أهلُ الفقهِ بالفقهِ ففازوا، واشتغلت أنا بزيدٍ وعمرٍو، فيا ليت شعري ماذا تكونُ حالي في الآخرةِ".

قال - رحمه الله تعالى-: " وفي رأيي أنَّه لا يجملُ بالمتخصِّصِ في مادَّتِه العاكفِ على دراستِها أن تكونَ طبعاتُ كتابِه صورةً واحدةً لا أثر فيها لتهذيبٍ أو قراءاتٍ جديدةٍ، فإن القعودَ عن تجديدِ القراءةِ سمةٌ من سماتِ الهمودِ، ولونٌ من ألوانِ الجمودِ ".

وقال – رحمه الله تعالى -: " وليس من غرضي في إخراج المقتضب أن أزهوَ به، وأحطَّ من قدر سواه، فإنِّي أكرمُ نفسي عن أن أكون كشخصٍ كلَّما ترجم لشاعرٍ جعله أشعرَ الشعراءِ ".

قال – رحمه الله تعالى -:" فحديثي اليوم إنما هو وحيٌ هذه التجربة، وثمرة تلك الممارسة والمعاناة، ولكلِّ إنسانٍ تجربته، فإذا كان لغيري تجربةٌ أخرى، أو رأيٌ آخر يخالف ما أذكرُه أو استفسارٌ فليكتب لي عن ذلك بعد الفراغ من المحاضرة، وعلم الله أنَّي لا أضيقُ بالرأيِ المخالفِ، وفي يقيني أنَّ المناقشةَ تنضجُ الرأيَ وتهذِّبَه ".

وقال – رحمه الله تعالى -: " لقد سجَّلت كثيراً مما فاتَ النحويين، وليسَ من غرضي أن أتصيَّد أخطاءهم، وأردَّ عليها، ولسْتُ أزعم أنَّ القرآنَ قد تضمَّن جميعَ الأحكامِ النحويةِ، فالقرآنُ لم ينزل ليكونَ كتابَ نحوٍ، وإنَّما هو كتابُ تشريعٍ وهدايةٍ، وإنَّما أقولُ: ما جاءَ في القرآن كانَ حجّةً قاطعةً، وما لم يقعْ في القرآنِ نلتمسُه في كلامِ العربِ، ونظيرُ هذا الأحكامُ الشرعيةُ؛ إذا جاءَ الحكمُ في القرآن عُملَ به، وإن لم يرد به نصٌّ في القرآنِ التمسناه في السنَّةِ وغيرها ".

أمثلة من اختياراته واستدراكاته وأقواله:

لن أطيلَ الحديثَ عن تعقباتِ الشيخِ للسابقين، واستدراكاتِه في النحوِ والصرفِ، وإنّما سوف أكتفي ببعضِ الأمثلةِ، ومنها على سبيلِ المثالِ:

استدركَ على السهيليِّ استقباحَه تقدُّمَ معمولِ الفعلِ المقترن بالسينِ عليها، ووافق المبردَ والرضيّ وأبا حيان، ولم يشر هؤلاء الجلَّةُ إلى الدليل من السماع، ووقف الشيخ على هذا التقديمِ في القرآنِ الكريمِ، وأورد شاهداً عليه.

اشترطَ الزمخشريُّ في خبر (أنَّ) الواقعةِ بعد (لو) أن يكونَ خبرها فعلاً، واستدرك عليه الشيخ أن خبرها جاء اسماً جامداً، واسماً مشتقّاً في القرآن الكريم.

منع ابنُ الطراوةِ أن يقعَ المصدرُ المؤوَّلُ من (أن) والفعل مضافاً إليه، واستدركَ عليه الشيخُ أنَّ المصدرَ المؤول من (أن) والفعل جاءَ مضافاً إليه في ثلاثةٍ وثلاثين موضعاً من القرآن.

منع النحويُّونَ وقوعَ الاستثناءِ المفرَّغِ بعد الإيجابِ، وعلَّلوا ذلك بأنّ وقوعَه بعد الإيجابِ يتضمّنُ المحالَ والكذبَ، واستدركَ عليهم الشيخُ أنه جاء في القرآن ثماني عشرة آية وقع الاستثناءُ المفرَّغُ بعدَ الإثباتِ، وفي بعضِها كان الإثباتُ مؤكّداً مما يبعد تأويلَه بالنفي.

ويكفي من القلادةِ ما أحاطَ بالعنقِ.

خاتمة:

هذه السيرةُ المختصرةُ كتبتُها في مدةٍ قصيرةٍ من الزمنِ، وهناك أمورٌ كثيرةٌ، ونصوص مختلفة من كتابات متعدِّدة رغبت في تسجيلها لكن ربما يكون من العذرِ ضيق الوقت، وأمور أخرى لم أسجِّلُها، وهناكَ أحداثٌ مسجّلةٌ، ووقائع مختلفة منها الخاصُّ، ومنها العام جرت في حياة الشيخ وعايشت فصولها، تدخل في السيرة الذاتية ولم أسجلها هنا، ولعلَّ أهم توجيه تلقيته منه هو نصيحته لي شخصياًّ ألا أقبل عملاً إدارياًّ مهما كان حتى أنهي جميع المراحل التي تتطلب بحوثاً وأعمالاً علمية، وأنها هي الأَوْلى من الأعمال الإدارية.

وأخيراً لعلَّ فيما قدمت مكنةً لمن أرادَ أن يعرفَ سيرةَ علمٍ أفنى عمره، وتمنى أن يكون في العمر بقيّةٌ، فحقَّق اللهُ له ذلك، وامتدت هذه البقية حتى أنهى الكتابَ الذي نصَّبَ نفسَه للعملِ فيه، وأنهى طباعتَه ومراجعتَه، وأسهمتْ جامعةُ الإمام محمد بن سعود الإسلامية في إعانتها له بتحملِ نفقاتِ الطباعةِ، ثم يريدُ الله سبحانه وتعالى أن يتمَّ جميعُ ذلك في حياةِ الشيخِ، وأن تسهمَ الجامعةُ مرةً أخرى في خدمةِ صاحبِ الكتابِ كما أسهمت في خدمةِ الكتابِ طباعةً ونشراً فرشّحَتِ المؤلفَ لنيل جائزةٍ عالميةٍ؛ وهي جائزة الملك فيصل –رحمه الله تعالى – فيفوز بها، ليلقى ربّه بعد ذلك في العام التالي كما أسلفت، والله كريم يمنُّ على عباده، ويجزي المتقين، فجزى الله شيخي أحسنَ الجزاءِ، وغفرَ له، وأكرمَ نزلَه، ورفعَ مقامَه، وجزى الله جامعةَ الإمام خيرَ الجزاءِ على جهودِها في خدمةِ العلمِ، والعنايةِ بالعلماءِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تركي بن سهو بن نزال العتيبي

للاطلاع على البحث كاملاً بحواشيه، فليحمله من المرفقات في هذه المشاركة، ولا تنسوا أخاكم وأستاذه من دعوة صالحة بظهر الغيب حفظكم الله ورعاكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير