تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الزمان بمثل هذه الصداقات المبنية على معانيها في الصدق والإخلاص، وعلى حلاوة المؤانسة التي ترتفع عن كل غرض، وعلى غنى المعرفة التي تجمّل العقل! من أين يتأتى للمرء، في هذا العالم المتحجر، أن ينعم بصحبة مثل هذه العقول المتفتحة والقلوب الغنية والأرواح الحارة! رحمك الله قدر ما علمت وعلّمت! رحمك الله قدر ما أحببت! رحمك الله قدر ما عانيت! لم يقدّر لك أن تعرف السكينة بيننا، فلعلك تعرفها بعيداً عنا. على أن مثلك لا يموت ولو انتزعه الموت من القلوب. أشكركم

كلمة طلاب الفقيد فقيد العلم العلامة أحمد راتب النفاخ الدكتور محمد الدالي

بسم الله الرحمن الرحيم {إن اّلذين قالوا ربنّا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التى كنتم توعدون. نحن أوليآؤكم فى الحياة الدّنيا وفى الا خرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون. نزلاً من غفور ٍ رحيم ٍ. ومن أحسن قولاً ممّن دعآ إلى الله وعمل صالحا وقال إنّنى من المسلمين. ولا تستوى الحسنة ولا السّيّئة ادفع بالّتى هى أحسن فإذا اّلذى بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميم. وما يلقّاها إلاّ الذين صبروا وما يلقّاهآ إلاّ ذو حظّ عظيم ٍ} [سورة فصلت: 30 - 35]. والحمد لله الذي استأثر بالبقاء وكتب على عباده الفناء، فـ {كلّ نفس ٍ ذائقة الموت} [سورة آل عمران: 185] و {كلّ شيءٍ هالكٌ إلاّ جهه له الحكم وإليه ترجعون} [سورة القصص: 88] {ولله ميراث السّماوات والأرض} [سورة آل عمران: 180]. .............

وهي بعد يا أستاذ كليمة سئلتها، أقولها بلسان من علّمته – وهم أجيال لا يحصون- وبلسان من اختص بك من طلابك، وهم فئة غير قليلة. وأنت تراني كلما كتبت حرفاً محوته، وكلما خطرت خاطرة أردت تقييدها تأبّت ومضت، وكلما عنّ معنى حاولت الإبانة عنه تفتحت معان وصور ما من سبيل إلى حصرها والعبارة عنها. ومثلي فيما أنا فيه وله يحتاج منك العطف والرضا لا الإعراض، وإن كنت غير راض عن كل هذا زاهداً فيه راغباً عنه. فانظر إليّ نظرة أقوى بها، فأنت وأنا بل كنتَ وكنتُ أباً وولداً. وهي كليمة في موضعها، لا تعدوه، ولا ترتفع عنه، ولا تخرج عما أريد منها، لا بد منها، وإن كانت لا تبلغ مما في نفسي شيئاً، وأنّى لها بذلك؟! لو كان الأستاذ لنا واحداً أي واحد ممن درسنا، وكنت أو كنا له طلاباً أي طلاب ممن درسهم لسهل علي العسير ولان العصيّ فقلت فيما سئلت. وما كان الأستاذ مدرساً أيّ مدرس تتلقى عليه مادته التي يحاضر فيها، وما كنت وبعض من معي ومن تقدّمني طلاباً له أي طلاب درسهم سنيات حفظوا له فيها صورة عمودها عندهم واحد، وتختلف في أشياء بين طالب وآخر باختلاف نفوسهم وعقولهم. فالأستاذ رجل من عباد الله المؤمنين الصالحين الصادقين الذين شروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، ظاهره خير كباطنه، كريم، مضياف، مفضال، أريحي طيب النفس، وفيّ، عازف عن الدنيا وزخرفها، منقطع للعبادة والعلم، راغب عن الشهرة ساعية إليه، كان أمة ورجل أمة. وهو بعد بقية السلف والحبر البحر ريحانة الشام وخزانة علمها، لم ير الراؤون في هذا العصر مثله، حقاً لا يجحدونه. خلق ليكون ما كان، وترفّع عما عفّرت فيه وجوه، ونزّه نفسه عما خاضوا فيه، وتواضع لله فرفعه. فيه عزة المعتز بالله، وقوة المستعين به، ذو خلق وخلاق، جبل على الوفاء والإخلاص والرحمة بالناس وحب الخير لهم. وكان شديداً في الحق، للقسوة واللين مواضع يضعهما فيها، صريح صراحة، يجهر بقوله، لا يجامل ولا يورّي، يسمي الأشياء بأسمائها. الإحسان عادته، والتواضع سجيته، والحياء حليته، والخير فطرته، والتقوى جبلته. وفي الصدر مني معه حديث سبعة عشر عاماً لازمته فيها، والحديث ذو شجون، منه ما يدون ومنه ما لا يدون. ولو تكلفت تدوين ما عرفته خلالها من أحواله وصلته بمن اتصل به بسبب، وآرائه فيمن حوله وفيما حوله، وتبحره في فنون من العلم هو آية فيها- ومنها العربية واللغة والعروض والأدب وعلوم القرآن- ونظراته فيها، وشؤون غيرها، لو تكلفت ذلك لم أفرغ منه على وجه مرضي في سنين ذات عدد، ولأتى ذلك في مجلدات ولبقي في النفس أشياء، ولم يحط لفظي بنعته. فماذا أقول في كليمتي التي سئلت ولّما يزل الأستاذ أمام ناظري، وأجالسه، ويكون حديث، فما بيننا لا يقدر رحيله عنا-

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير