ومنهم من ذهب إلى سوريا وهناك نشأت اللغة الآرامية ولهجاتها (السريانية - التدمرية - النبطية)، ومنهم من ذهب إلى فلسطين وهناك نشأت اللغة الكنعانية ولهجاتها (الفينيقة - العبرية- الأوجاريتية) ومنهم من ذهب إلى إفريقيا، وهناك نشأت اللغتان الهيروغليفية والحبشية، ومنهم من بقي ولم يرحل فأسس لغة سماها المستشرقون العربية الجنوبية، ونصطلح عليها نحن اليمنيين باليمنية القديمة، ومن لهجاتها الصفوية والثمودية واللحيانية. وأما العربية الشمالية (عربية الشعر الجاهلي والقرآن الكريم) فهي أحدث اللغات السامية نشأة، وظهورا
الآن .. ماذا يقصد بالغريب؟ أهو اللفظ غير العربي الشمالي؟ فإن اعتبرت لفظ (عامود) عربيا لأنه ورد في القرآن الكريم، وتناسيت وتغافلت وتجاهلت أنه آرامي، وأن وزن فاعول لاتعرفه العربية، فهذا اصطلاحك. أما من يعرف اللغات السامية، فيقطع أنه لفظ غير عربي، شأنه شأن (فتح) بمعنى (قضى - حكم) لايعرفه العرب إلا بعد وروده في القرآن. وإلا،
فلم قال أبوعمرو بن العلاء: "ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا"؟ ولا أظن أحدا يدعي معرفة باللغة فوق أبي عمرو أحد القراء السبعة.
ولنفرض الآن أن القرآن نزل في هذه الأيام، فورد فيه (بنزين - فلاش- فيبرجلاس) ثم جاء اللغويون العرب
فأدخلوا هذه الكلمات في معاجمهم، ونشأ خلاف بعد قرون
هل يمنع هذا أنها ألفاظ أوربية دخلت في كلام العرب، فاستعملها القرآن؟ أفيجعلها هذا عربية؟
كذلك العرب لم يعرفوا الأرائك؛ لأنهم كانوا يفترشون الأرض في الخيام
ولم يعرفوا السندس ولا الإستبرق؛ لأنهم لايعرفون إلا الشعر والوبر، لكن عرفها مثلا الوليد بن المغيرة، الذي رآها في بلاد فارس، وفكر وقدر ثم نظر ثم عبس وبسر، بعد أن تساءل: كيف يعرف راعي غنم لم يخرج من مكة هذا؟
ولم يعرفوا الجوز ولا اللوز ولا الفستق ولا البندق، وإنما عرفوا الثوم والعدس والبصل
ولذلك لم يعرف أبوبكر أو عمر ما (الأب) على حين به سميت محافظة يمنية
مثال بسيط:
أذكر أني في بغداد كنت في محاضرة وكنا ندرس نقشا مسماريا، فورد فيه لفظ (كسيبو) وهو عملة عراقية قديمة
فقال الباحث المستشرق: ولم أستدل عليه من اللغة العربية. فخطر في ذهني فورا لفظ (كسف) وقد ورد خمس مرات في القرآن الكريم وحده هذا أحدها {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الشعراء187
فذكرت ذلك للأستاذ فكتبه.
فهذا يعني أن لفظ كسف ليس عربيا، وهو مأخوذ من الأكدية مع الإبدال الصوتي بين الفاء والباء الثقيلة
ثم دخل كلام العرب - منذ زمن طويل، بمعنى القطع المتناثرة - فاستعمله القرآن الكريم
وصدق من قال: "من عرف حجة على من لم يعرف، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ"
والحمدلله
"
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[21 Jul 2010, 04:36 م]ـ
إضافة أخرى
ِسفر، التي وردت في القرآن بصيغة الجمع {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} الجمعة5
ووصفا للملائكة {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} عبس15
هذي الكلمة ومشتقاتها قطعا ليست عربية؛ وإنما هي آرامية (سيفِر) ومن الآرامية انتقلت إلى العبرية
وقد أشار المفسرون إلى شيء من ذلك
ومعروف أن العرب أميون لا يكتبون، ولما جاء الإسلام لم يكن يعرف الكتابة في قريش إلا نفر قليل
منهم كتبة الوحي، وآل أبي سفيان، وآل المغيرة .. هذا طبعا في عرب الشمال
أما عرب الجنوب (اليمن) فقد عرفوا الكتابة منذ ما قبل الميلاد بقرون
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[21 Jul 2010, 11:14 م]ـ
إضافات جميلة دكتور رصين، بارك الله فيك.
وأود أن أضيف نقطتين:
الأولى: أن الغريب لا يختص بالمعرب، فالمعرب يمكن أن يكون أحد أنواع الغريب في القرآن الكريم.
الثاني: حديثكم هنا تركز على ما يخص المعرب، وهو مبحث جليل مهم، وقد اتخذه كثير من المغرضين سببا لبث شبهاته، ونحن بحاجة لبعض مهمات علم اللغة المقارن كالتي تفضلتم بها، حتى نكون على بُصر ببعض ما يدور حوله النقاش من المباحث المتعلقة بالقرآن الكريم.
وقد اطلعت قريبا على كتاب عنوانه: (أبجدية القرآن من مملكة سبأ) لمؤلفه: محمد عقل، جاء في تعريف الدار الناشرة له مانصه:
" هو المحاولة العربية الأولى التي تثبت بالدليل العلمي أن الحرف العربي الشمالي (القرآني) يعود بأصوله إلى الخط المسندي -الحميري في جنوب اليمن.
¥