تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والوجه الثاني: أن هناك من العلماء من ذكر ما يدل على خلاف ما ذكره ابن القيم؛ فقد قال القاضي عياض: (ومن الوجوه البينة في إعجاز القرآن آيٌ وردت بتعجيز قوم في قضايا، وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا على? ذلك؛ كقوله تعالى لليهود:) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة (قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية: أعظم حجة، وأظهر دلالة على صحة الرسالة؛ لأنه قال لهم:) فتمنوا الموت (وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا، فلم يتمنه واحد منهم .... قال أبو محمد الأصيلي: من أعجب أمرهم؛ أنه لا توجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله تعالى? بذلك نبيه يقدم عليه، ولا يجيب إليه، وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم.) ([26])

فإذا كان ابن القيم يرى أن الواقع المشاهد مخالف لما دلت عليه الآية إذا فسرت بالمعنى الظاهر؛ فإن أبا محمد الأصيلي يعكس الأمر ويذكر أن الموجود المشاهد هو عدم إقدام أحد من اليهود على تمني الموت. وليس قول أحدهما بأولى من قول الآخر؛ فيرد هذا الأمر إلى الدليل الصريح، لا إلى الواقع المشاهد المتنازع فيه.ولا شك أن الدليل مع من قال بأنهم لا يتمنون الموت أبداً بما قدمت أيديهم ([27]).

ومن المفسرين من قال: إن أبداً في قوله: {ولن يتمنوه أبداً} يراد به: ما يستقبل من زمان أعمار المخاطبين بالآية،والمعنى: لن يتمنوه في طول عمرهم إلى موتهم؛ فالتأبيد هنا ليس مطلقاً، فلا عبرة بما يقع ممن جاء بعدهم من اليهود. ([28])

فالصواب في معنى الآية هو قول الجمهور، وليس هناك موجب لحملها على المعنى الذي رجحه كلٌ من ابن القيم وابن كثير رحمهما الله.

وإذا تقرر هذا؛ فإن الجمع بين القولين يتأتى بجعل هذه الآية من جنس آية المباهلة، لا أن يكون معناها هو معنى آية المباهلة. وذلك أن هذه الآية،وآية المباهلة في سورة آل عمران يقصد منهما التحدي،وإقامة الحجة على المخالف،وبيان بطلان ما هو عليه.

فآية البقرة تتحدى اليهود - المدّعين أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس - بدعوتهم إلى تمني الموت إن كانوا صادقين، وآية آل عمران تتحدى النصارى – الذين يدّعون أن عقيدتهم في عيسى عليه السلام هي الحق – بدعوتهم إلى أن يبتهل الفريقان فيجعلا لعنة الله على الكاذب منهما. (فامتنعت اليهود من إجابة النبي r إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النصارى الذين جادلوا النبي r في عيسى إذ دعوا إلى المباهلة من المباهلة). ([29])

وهذا ما قرره كل من ابن جرير وابن عطية رحمهما الله ([30])،ووافقهم السعدي رحمه الله ([31]). وهو الموافق لما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله r لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا) ([32]).

الحواشي السفلية والتعليقات:


([1]) مدارج السالكين لابن القيم 3/ 18 - 19.

([2]) أخرج قوله ابن جرير في تفسيره 2/ 364

([3]) أخرج قوله ابن جرير في تفسيره 2/ 365

([4]) تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 125

([5]) معاني القرآن واعرلبه للزجاج 1/ 176

([6]) النكت والعيون للماوردي 1/ 161

([7]) انظر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 119، والوسيط في تفسير القرآن المجيد 1/ 176 كلاهما للواحدي.

([8]) تفسير القرآن لأبي المظفر السمعاني 1/ 110

([9]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 1/ 95

([10]) مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 1/ 110

([11]) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/ 95

([12]) فتح القدير للشوكاني 1/ 169

([13]) التحرير والتنوير لابن عاشور 1/ 615

([14]) جامع البيان لابن جرير 2/ 362

([15]) معالم التنزيل للبغوي 1/ 123

([16]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/ 33

([17]) محاسن التأويل للقاسمي 2/ 195

([18]) تفسير القرآن الكريم لمحمد بن صالح العثيمين 1/ 308

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير