تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جِدَالَ: أصل الباب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام (7)، وقال ابن منظور: "الجَدْل: شدة الفتل، والجَدَل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها" (8)، وشدة الفتل واللدد في الخصومة يعودان إلى باب استحكام الشيء، ومنه الجِدال؛ فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه، وقيل: أصله من القوة، فكأن كلاً من المتجادلين يقوّي قوله ويُضَعِّفُ قولَ صاحبه (9)، وقيل: مشتق من الجَدَالَة، وهي الأرض، كأن كل واحد من الخصمين يقاوم صاحبه، حتى يغلبه ويسقطه على الجَدَالَة وهي الأرض الصُّلبة (10).

والفتل، والقوة، والأرض الصُّلبة، كلها تعود إلى أصل الباب وهو الاستحكام.

تَزَوَّدُوا: الزيادة أن ينضم إلى ما عليه الشيء في نفسه شيء آخر، والزَّادُ: المدّخر الزائد على ما يُحتاج إليه من القوت (11)، والتَّزَوّد: إعدادُ الزَّادِ، وهو تَفَعُّلٌ مشتق من اسم جامد، وهو الزاد، كما يقال: تعمّم وتقمّص، أي: جعل ذلك معه (12).

الألباب: "اللُّبّ (بالضم): السَّم أوالسُّم، وفي لسان العرب عن أبي الحسن: وربما سمي سم الحية لُبّاً، واللُّبّ: خَالِصُ كلِّ شيءٍ، كاللُّباب (بالضم أيضاً)، و (من النخل): جوفُه، وقد غلب على ما يؤكل داخله، ويرمى خارجه من الثمر، ومن المجاز: لُبُّ الرجل: وهو ما جُعِل في قلبه من العقل؛ سمّي به لأنه خلاصة الإنسان، أو أنه لا يُسمّى ذلك إلا إذا خَلَص من الهوى وشوائب الأوهام، فعلى هذا هو أخص من العقل " (13)، "فكل لبٍّ عقلٌ، وليس كلُّ عقلٍ لبّاً؛ ولهذا علق الله تعالى الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب" (14)، وفي معجم مقاييس اللغة دلالة أخرى للّبّ بالإضافة إلى الخلوص والجودة، وهي اللزوم والثبات (15).

التفسير والبيان

بينت هذه الآية أن للحج وقتاً معلوماً عند الناس، وأن وقته أشهر معلومات، وهذه الأشهر هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فقررت الآية ما كان معروفاً عند العرب.

ثم أخبر تعالى أن مَن ألزم نفسه بالحج فيهن ـ أي في هذه الأشهر ـ بالتلبية أو بتقليد الهدي وسوقه، عند الإمام أبي حنيفة، وبالنية ـ أي الإحرام ـ عند الإمام الشافعي (16)، فلا يرفث ولا يفسق ولا يجادل، "فنهاه عن مفسِد الحج مما كان جائزاً قبله، وما كان غير جائز مطلقاً ليسوي بين التحريمين، وإن كان أحدهما مؤقتاً، والآخر ليس بمؤقت" (17).

واختلفوا في معنى (الرفث)، فقال قوم هو الجماع، كقول الله تعالى:? أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ? [البقرة:187]، وقال آخرون: هو ذكر الجماع إما إطلاقاً وإما في حضرة النساء. وجمع قوم بين القولين، فقالوا: ?فلا رفث?: الجماع وما دونه من التعريض به (18).

والظاهر أن المراد هنا الرفث على عموم معانيه؛ لعدم ورود الخبر بتخصيص معنى فيه، وهذا ما قاله الطبري شيخ المفسرين؛ إذ لا يجوز نقل حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن، إلا بحجة ثابتة (19).

والنهي عن الرفث مع جوازه في غير أشهر الحجّ؛ لما يكون عليه الحاج من حال العبادة والخشوع والترفع عن الملذات، وهذه الحال تتنافى مع إتيان الشهوات، فالنهي عنه وعما ذكر بعده من الفسوق والجدال" ينتهي إلى ترك كل ما ينافي حالة التحرج، والتجرد لله في هذه الفترة، والارتفاع على دواعي الأرض، والرياضة الروحية على التعلق بالله دون سواه، والتأدب الواجب في بيته الحرام لمن قصد إليه متجرداً حتى من مخيط الثياب" (20).

أما (الفسوق) ففيه أقوال كذلك:

القول الأول: يتضمن تفسيرات لـ (الفسوق) تجتمع في أنها تحمله على جزئية معينة، فقيل: هو السباب؛ لقول الرسول ?: "سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر" (21)، وقيل: المراد منه: التنابز بالألقاب؛ احتجاجاً بقوله تعالى: ?ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ? [الحجرات: 11]، وقيل: هو الإيذاء؛ لقول الله تعالى: ?ولا يُضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم? [البقرة:282].

القول الثاني: تخصيص (الفسوق) بارتكاب ما نُهي الحاج عنه في الإحرام من قتل الصيد، وحلق الشعر، وقلم الأظفار، ونحو ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير