المشعر: أصل (شَعَرَ) يدل على عِلْم وعَلَم، ومنه الشعار، وهو ما يتنادى به القوم في الحرب ليعرف بعضهم بعضاً، والأصل قولهم: شَعَرْتُ بالشيء إذا علمتُه وفطنتُ له، وليت شعري، أي: ليتني علمتُ، ومشاعر الحجّ: مواضع المناسك، سُمّيت بذلك؛ لأنها معالم الحجّ، وسمّى الله ذلك الموضع بالمشعر الحرام؛ لأنه معلمٌ من معالم الحجّ (8).
الضالين: الضلال: العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده: الهداية، ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمداً كان أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً (9).
التفسير والبيان
رفعت الآية الكريمة الحرج عمن ابتغى فضلاً بتجارة، أو عمل بكسب أثناء وقت الحجّ؛ وذلك أنهم كانوا يتحرجون من هذا؛ لظنهم أن الحاج عليه أن يشغل وقته كلَّه بالعبادة، روى الإمام البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتّجروا في المواسم، فنزلت: ? ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم? في مواسم الحج" (10)، أي: لستم تأثمون في أن تطلبوا فضلاً من ربكم، "أي عطاء منه وتفضلاً، وهو النفع والربح بالتجارة" (11)، وقيّد العلماء رفع الإثم بمن لم يشتغل بالتجارة عن العبادة الواجبة.
" ثم أمرهم تعالى بذكره عند المشعر الحرام إذا أفاضوا من عرفات، ليَرجعهم بذكره إلى الاشتغال بأفعال الحجّ، لئلا يستغرقهم التعلقُّ بالتجارات والمكاسب" (12).
ويمكن فهم قوله تعالى:? فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام? في ضوء ما ورد من فعل النبي ?، فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله ـ في صحيح مسلم ـ أن الرسول? وقف بعرفة، "فلم يزل واقفاً ـ يعني بعرفة ـ حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص، وأردف أسامةَ خلفه، ودَفَع رسول الله ? وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رَحْلِه، ويقول بيده اليمنى: "يا أيها الناس .. السكينةَ السكينةَ"، كلما أتى حبلاً من الحبال (13) أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله ? حتى طَلَع الفجر حتى تبين له الصبحُ بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدَفَعَ قبل أن تطلع الشمس" (14).
و?أفضتم?: دفعتم بكثرة، وأصله: أفضتم أنفسكم، فحذف المفعول، وخروجهم من عرفة يحدث في وقت واحد، وهم كثير، فيدفع بعضهم بعضاً بشدة، ويظهر هذا في الحديث السابق، حتى إن رسول الله ? دعاهم للسكينة.
والمفسرون في تعيين ?المشعر الحرام? على قولين، الأول: أن المشعر الحرام هو (المزدلفة)، ويقال لها أيضاً (جَمْع) (15)، والثاني وهو رأي صاحب الكشاف أنه جبل يقف عليه الإمام، ويسمى (قُزَح) (16)، واستدل بما ورد في حديث جابر أنه ? لما صلّى الفجر بالمزدلفة ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام، وهذا يدل على التغاير بين المزدلفة والمشعر الحرام.
وفي الحقيقة لا تعارض بين القولين؛ ذلك أن جبل (قُزَح) في المزدلفة، وإطلاق (المشعر الحرام) عليه في الحديث على تقدير مضاف، أي: جبل المشعر الحرام، أو بتسمية الجزء باسم الكلّ (17)، فالمزدلفة كلها مشعر، ولو كان المشعر الحرام هو ذلك الجبل لكان في هذا صعوبة بالغة على الناس، لعدم تمكُّنهم جميعاً من الوصول إليه.
و?عند المشعر الحرام?: ما يليه ويقرب منه، وسمي بالحرام لحرمته. والذكر المأمور به عند المشعر الحرام هو ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل، وقيل: الصلاة به دون فعلها بالطريق (18)، والصلاة والتسبيح مما يحتمله النظم الكريم وفعل النبي ?.
ثم أمرهم الله عزّ وجلّ بذكره كما علمهم، فقال: ?واذكروه كما هداكم?، أي على النحو الذي بيّنه لكم دون العدول عنه، أو هو أمر بالذكر شكراً له تعالى على نعمة الهداية إلى الإيمان بعد الضلال، أو هو أمر بالذكر الحسن كما هداهم هداية حسنة، وقال ابن الحاجب في الأمالي النحوية: إن الكاف نعت لمصدر محذوف، أي: واذكروه ذكراً مثل ما هداكم (19).
¥