تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[روضة]ــــــــ[18 Dec 2006, 03:12 م]ـ

فَإذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوْا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أو أشَدَّ ذِكْرَاً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيْبٌ مِمَّا كَسَبُوْا وَاللهُ سَرِيْعُ الحِسَابِ (202)

مناسبة الآيات لما قبلها

في مناسبة هذه الآيات قال البقاعي: "ولما أمرهم بالذكر في المناسك، وكان الإنسان فيها بصدد الذكر أمرهم بالذكر بعد قضائها؛ لأن من فرغ من العبادة كان بصدد أن يستريح فيفتر عن الذكر إلى غيره، وكانت عادتهم أن يذكروا بعد فراغهم مفاخر آبائهم، فقال: ?فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق? (1).

هذا قسم من الناس يريد الدنيا فحسب، وهناك قسم آخر يجمع بين طلب الدنيا والآخرة، وبيّن تعالى أن لكل قسم نصيباً من جنس ما كسب.

مفردات الآيات

قضيتم: القضاءُ إحكامُ أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته (2)، "واعلم أن القضاء إذا عُلّق بفعل النفس، فالمراد به الإتمام والفراغ، وإذا عُلّق على فعل الغير، فالمراد به الإلزام، نظير الأول قوله تعالى:? فقضاهن سبع سموات في يومين? [فصلت:12]، ونظير الثاني قوله تعالى: ?وقضى ربك? [الإسراء:23]، وإذا استعمل في الإعلام، فالمراد أيضاً ذلك، كقوله: ?وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب? [الإسراء:4]، يعني:

أعلمناهم" (3).

مناسككم: تقدم بيان أصل معنى (نَسَك) في مفردات الآية الأولى، و"المناسك جمع (منسَك) الذي هو المصدر بمنزلة النسك، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحجّ. وإن جعلناها جمع (منسك) الذي هو موضع العبادة، كان التقدير: فإذا قضيتم أعمال مناسككم، فيكون من باب حذف المضاف" (4).

خلاق: للكلمة أصلان، أحدهما: تقديرُ الشيء، والآخر: النصيب، وقد قُدّر لكل أحد نصيبه (5)، وقال ابن عاشور: "الخلاق: هو الحظّ من الخير والنفيس، مشتق من الخلاقة وهي الجدارة، يقال: خلُق بالشيء ـ بضم اللام ـ إذا كان جديراً به" (6)، ولهذا قالوا: الخلاق هو النصيب من الخير على وجه الاستحقاق (7).

نصيب: أصل الكلمة يدلّ على إقامة شيء وإهداف في استواء، والنصيب: الحظّ من الشيء، وهو من هذا كأنه الشيء الذي رُفع لك وأهدف (8).

التفسير والبيان

?فإذا قضيتم مناسككم?: فإذا فرغتم من عباداتكم المتعلقة بالحجّ، فأكثروا من ذكر الله، وليكن ذكركم له تعالى أشد من ذكركم مآثر آبائكم ومفاخرهم، "ولما كان الإنسان كثيراً ما يذكر أباه ويثني عليه بما أسلفه من كريم المآثر، وكان ذلك عندهم الغاية في الذكر، مثّل ذكر الله بذلك الذكر، ثم أكّد مطلوبية المبالغة في الذكر بقوله: ?أو أشدّ?؛ ليُفهم أن ما مثّل به أولاً ليس إلا على طريق ضرب المثل لهم؛ والمقصود أن لا يغفلوا عن ذكر الله تعالى طرفة عين" (9)، وفي هذا توجيه لهم نحو الأجدر والأولى.

ثم قسّم الناس من حيث الذكر والدعاء قسمين: قسم ينصرف همّه إلى الدنيا فلا يسأل إلا في أمر دنياه، ويغفل أمر الآخرة، فلا يدعو الله أن يؤتيه الخير فيها، على الرغم من وجوده في أعظم المواقف، فقوله: ? وما له في الآخرة من خلاق? بيان لحاله في الدنيا، وتأكيد لقصر دعائه على المطالب الدنيوية، أي: وما له في الآخرة من طلب خلاق، ويجوز أن يكون بيان لحاله في الآخرة، أي: والحال أنه ليس له حظّ في الآخرة لاقتصار همه على الدنيا (10)، وكلاهما يحتمله النظم الكريم.

وقسم يطلب في دعائه خير الدارين، وأن يقيه عذاب النار، فيقول:? ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار?.

ولم يخصص الله تعالى من معاني الحسنة شيئاً، فقد تجمع الرزق الواسع والعافية في الجسد والعلم النافع ... ، ولا نصّب على خصوصه دلالةً دالّة على أن المراد بـ (الحسنة) بعض دون بعض، فلا يجوز التخصيص، بل يُحكم بالعموم على ما عمّه الله، أما في الآخرة فلا شكّ أن الحسنة فيها هي الجنّة؛ لأن من لم ينلها يومئذٍ فقد حُرِم جميع الحسنات وفارق جميع معاني العافية (11).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير