الأول: ما يختص بتفسير القرآن جملة , وذلك عن طريق تناول القرآن سورة سورة وتحليله بلاغياً , مع تفسير
معانيه , وتحليل أنماط النحو فيه.
ومن ذلك , بعض الكتب التي سبق وأن ذكرها الدكتور الطيار , وأخي أبا العالية , وأضيف منها:
في ظلال القرآن , لسيد قطب.
تفسير البيضاوي الشهير , وحواشيه القيمة:
كحاشية الشهاب المسماة: بعناية القاضي وكفاية الراضي
وحاشية محيي الدين الشيخ زاده الحنفي
وكذلك حاشية القونوي عصام الدين الحنفي , وغالباً ما نجد معها كذلك حاشية ابن التمجيد لتزداد قيمة وعلماً.
وكل هذه الحواشي أبلت مع البلاغة واللغة بلاء حسناً , مع غفران الزلل , مقارنة بفوائدها الجلل.
كما لا يفوتني أن أدرج كتاباً قيماً به دررٌ بلاغية فذّة , من شأنها أن تكشف الستار عن المعنى البلاغي المعجز , ألا
وهو كتاب الشيخ ابن عاشور المسمى بـ (التحرير والتنوير) , ولعلي أورد آخر ماقرأت فيه من شدة عناية الشيخ بإبراز
المعنى المقصود من خلال النظم البلاغي , والنحوي , ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى - في سورة الأنبياء -: " وكفى بنا
حاسبين " (47)
بأن المعنى: " كفاهم نحن حاسبين أنهم لايتطلعون إلى حساب آخر يعدل مثلنا. وهذا تأمين للناس من أن يجازى أحد
منهم بما لا يستحقه. وفي ذلك تحذير من العذاب وترغيب في الثواب " (1)
أما إشارته الفطنة التي تنبئ عن فصاحة القرآن وتميز اختياره للنظم الموافق للمعنى قوله: " وضمير الجمع في قوله
تعالى: (حاسبين) مراعيٍّ فيه ضمير العظمة من قوله تعالى " بنا " والباء مزيدة للتوكيد. وأصل التركيب: كفينا
الناس ... " (2)
انظر بعد هذا إلى شدة التأكيد على عدل الله سبحانه وتعالى في وقت يحتاج للتأكيد؛ حيث جاءت في سورة الأنبياء
التي تحمل موضوع نشر رسالة التوحيد عن طريق أنبياء الله تعالى عند قوم جهلوا هذا الدين , يحتاجون لمزيد تأكيد ,
ليحصل ما يراد من التأييد , فلم يقل عز من قائل: (وكفى بنا حسبيا) وإنما أدرج ضمير الجمع ليزيد المهابة في شأنه
جل وعلا , والتي من شأنها كذلك أن تزرع الخوف ومن بعده الرجاء لشدة عدله وحكمه المرضي.
ولو مضيتُ شرحاً لدرر هذه القطعة الصغيرة من الآية لما وسعني المقام , ولكن حسبي الإشارة , ولعل فيها ماينفع.
الثاني: - من أنواع التفسير البلاغي - هو مايُقتطف من القرآن قطْفاً عشوائياً على غير ترتيب , فيأخذ الآية الفلانية
ليكشف وقعها البلاغي , وهذا النوع يكثر فيه الاستخراج البلاغي دون الاهتمام بالإشارات المعنوية للآية , ومن تلك
المؤلفات التي عنت بذلك:
كتاب الشيخ الجرجاني في الدلائل , وكتب الرافعي , وابن الأثير في المثل السائر , ومفتاح العلوم للسكاكي ,
والإيضاح للخطيب , وغيرهم ,,,
ومن أمثلة هذا النوع ماقاله الشيخ عبد القاهر الجرجاني في تفسير قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي ماءك وياسماء
أقلعي وغيظ الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين " سورة هود (44)
بعد أن مهد لكلامه تميز النظم هنا دون الألفاظ , بحيث لو اقتطفت لفظة بعينها لما أدت الإعجاز المبهر , يقول: " وكيف
بالشك في ذلك , ومعلوم أن مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض , ثم أُمرت , ثم في أن كان النداء " بيا " دون " أي " ,
نحو " ياأيتها الأرض " , ثم إضافة " الماء " إلى الكاف , دون أن يُقال ابلعي الماء , ثم أن أُتبع نداء الأرض وأمرها بما
هو من شأنها , نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها , ثم أن قيل " وغيض الماء" فجاء الفعل على صيغة " فُعِل " الدالة
على أنه لم يعض إلا بأمر آمر وقدرة قادر , ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى: " وقُضي الأمر " ثم ذكر ما هو فائدة
هذه الأمور , وهو " استوت على الجودي " , ثم إضمار السفينة قبل الذكر , كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم
الشأن , ثم مقابلة " قيل " في الخاتمة " بقيل " في الفاتحة؟ أفترى لشي من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز
روعة ... " (3)
فقد رأينا من هذه السلسلة التتبعية الدقيقة لدلالة الألفاظ ووقوعها في سبك أُعلن به الإعجاز والدقة في توضيح
المعنى , ولايلزم علينا - نحن الدارسين - سوى أن نأخذ من هذه المؤلفات عبراً ودروساً , كي نعتبر بما فيها من ترغيب
¥