سيبويه لم يقل إن همزة أل تقطع في الاستفهام كما فهمتم، وإنما هو يتحدث عن مسألة أخرى هي الحذف، وإنما شبهها بهمزة (أحمر) من حيث أنها لا تحذف في الاستفهام، وليس الشبه بينهما من حيث القطع، ولو تشابهتا من حيث القطع لقلت (أأ لكتاب لسيبويه؟) كما تقول (أأحمر التفاح؟)، ولكنهم لما أرادوا إبقاءها لعلة وفي الوقت نفسه لم يريدوا قطعها التمسوا لها ما يحقق الأمرين وهو جعلها مدة فتقول (آلكتاب لسيبويه؟)
وبهذا يكون ما استدللتم به على (تصريح سيبويه بأن همزة أل لا تقطع إلا في الاستفهام) بعيدا عما أردتم الاستدلال عليه، فهو يتكلم على مسألة الحذف والبقاء وأنتم تتكلمون على الوصل والقطع.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد
حياك الله أخي عليا
ليس الأمر كما ذهبتم إليه فالفرق بين همزة الوصل والقطع أن الأولى تسقط في الوصل والثانية تثبت فيه، وتشتركان في أن كل واحدة منهما تثبت في ابتداء الكلام، فإذا ثبتت همزة الوصل في درج الكلام فذلك يعني أنها تحولت إلى همزة قطع، فعندما ذكر سيبويه أن همزة (ال) تثبت بعد همزة الاستفهام استنتجت أنه جعلها في هذه الحالة همزة قطع، فالتقت همزتان مفتوحتان، فقلبت الثانية ألفا وكان حقها أن تقلب واوا بعد ذلك كما في الهمزتين المفتوحتين في كلمة واحدة، ولكنهم أبقوها ألفا ولم يقلبوها واوا فرقا بينها وبين الهمزة التي هي من أصل الكلمة.
والقياس على قول من يحقق الهمزتين يجيز: أألكتاب قرأت؟ كما تقول: أأحمر ثوبك؟
وهم لم يجعلوها كما زعمت مدة، وإنما قلبوها ألفا بعد ألف الاستفهام، والهمزة مع الألف تصير مدة.
والذين يحققون الهمزتين ويجعلون بينهما ألفا زائدة القياس على قولهم جواز أن تقول: آألكتاب قرأت، كمن قال: آأنت أم أم سالم.
والدليل على أن سيبويه أراد بثبات الهمزة في الوصل تحولها للقطع في ذلك الموضع لا مطلقا، أنه ضم إلى موضع ما بعد ألف الاستفهام بداية الشطر الثاني من البيت الشعري كقوله:
ولا يبادرُ في الشتاء وليدنا ... ألقدر ينزلها بغير جعال
فلو وصلت الشطر الأول بالثاني وجب عليك قطع الهمزة ليستقيم الوزن، فتقول: وليدنا أَلقدر، كما تقول: وليدنا أَفضل.
وبهذا يتبين أن استدلالي في محله، وأنه لا وجه لاعتراضك عليه البتة.
ثم قلتم:
وأما مسوغ قطع همزة الوصل عند سيبويه فهو عام وهو التغيير من حال إلى حال وقد نص على ذلك في معرض كلامه على الفعل بقوله:
" ... لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال. ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها. وتقطع الألف؛ لآن الأسماء لا تكون بألف الوصل ولا يحتجّ باسمٍ ولا ابن، لقلّة هذا مع كثرة الأسماء "
لا يا أخي، فهذا النص خاص بالأفعال التي تسمى بها أما الحروف فإنها تبقى على حالها إلا التي آخرها واو أو ياء أو ألف، ولذلك نص على أنك لو سميت رجلا بالباء الساكنة من (اضرب) والتي تلفظ: إبْ، تبقى همزته همزة وصل وتسقط في الوصل، وقد بينت ذلك في المشاركة السابقة وأعرضت عن هذا الدليل مع أنه نص في محل النزاع، وسأورده على طوله لتعلم أني على حق:
قال سيبويه:
ولو سميت رجلاً بـ (اِبْ) قلت هذا اِبٌ، وتقديره في الوصل: هذا ابٌ [بسقوط الهمزة لفظا] كما ترى، تريد الباء وألف الوصل من قولك اضربْ
وكذلك كل شيء مثله لا تغيره عن حاله لأنك تقول: اِبٌ، فيبقى حرفان سوى التنوين، فإذا كان الاسم ههنا في الابتداء هكذا لم يختل عندهم أن تذهب ألفه في الوصل، وذلك أن الحرف الذي يليه يقوم مقام الألف، ألا تراهم يقولون: مَنَ ابٌ [بحذف الهمزة] لك، فلا يبقى إلا حرف واحد، فلا يختل ذا عندهم، إذ كان كينونة حرف لا يلزمه في الابتداء، وفي غير هذا الموضع إذا تحرك ما قبل الهمزة في قولك: ذهب ابٌ لك، وكذلك اِب لا يختل أن يكون في الوصل على حرف إذا كان لا يلزمه ذلك في كل المواضع، ولولا ذلك لم يجز، لأنه ليس في الدنيا اسمٌ يكون على حرفين أحدهما التنوين، لأنه لا يستطاع أن يتكلم به في الوقف مبتدأ.
هذا نص على أن الحرف إذا سمي به فإن همزة الوصل فيه تبقى على حالها وتسقط في الوصل وتثبت في الابتداء.
فأي دليل أقوى من هذا في إثبات مذهب سيبويه في همزة الوصل في الحرف إذا سمي به.
ولو كان من مذهبه قطع همزة (ال) في التسمية لنص على أنها تثبت إذا سمي بها، كما نص على ثباتها بعد ألف الاستفهام وفي بداية الشطر الثاني من البيت الشعري.
¥