يقول سيبويه: " ... وتقطع الألف؛ لأن الأسماء لا تكون بألف الوصل ولا يحتجّ باسمٍ ولا ابن، لقلّة هذا مع كثرة الأسماء "
وإنما كان مجيء الأفعال على سبيل التمثيل، والتمثيل يكتفى فيه بما يبين المراد فحسب. إذ إن تغيير الفعل إنما حدث ليصير بناؤه مشابها للاسم، ولما كان الضابط مرتبطا بالمنقول إليه (الاسم) كان التغيير في حدود الغرض على النحو الآتي:
*غيرت الأفعال التي لا تشبه الأسماء كالمبدوءة بهمزة الوصل كإضرب، ولم تغير التي تشبه بناء الاسم مثل (ضرب) اسما.
* لم تغير الأسماء إذا صارت أعلاما مثل (اسم، انطلاق) لأنهما اسمين أصلا.
*غيرت الحروف الثنائية المنتهية بحرف علة مثل لوّ وفيّ لأن الأسماء لا تجيء على هذا البناء.
* لم تغير بعض الحروف المشابهة للأسماء مثل قد وهل لأنها تشبه أخا ويدا.
من كل هذا يتضح ما ذهبتُ إليه من أن المعول إنما هو على خصائص المنقول إليه فما وافقه لم يغير، وما خالفه غُيّر بما يجعله يوافقه، ولما لم يكن في الدنيا اسم ثنائي يبدأ بهمزة وصل كان القياس أن تقطع همزة أل عند التسمية لتكون مشابهة لبناء بعض الأسماء على مثال أخ وأب.
(2)
ولكنه لم ينص في حرف التعريف وهو الحرف الوحيد من حروف المعاني المبدوء بهمزة الوصل لم ينص على شيء بشأن التسمية به، وذكر أن همزته لا تثبت في الوصل إلا في الاستفهام وبداية النصف الثاني من البيت الشعري، ففهمت من ذلك أن همزته لا تقطع إلا في هذين الموضعين،
هذان الموضعان ذكرهما سيبويه عند الكلام على أل التي هي حرف تعريف باق على حرفيته متصل بالاسم الذي يعرّفه وليس لهذين الموضعين صلة من قريب ولا من بعيد بأل المنقولة إلى الاسمية التي نحن بصددها، (فليكن هذا في الحسبان). هذا إنْ سلمنا بأنها مقطوعة في الموضعين، على أنها في بداية العجز تعد مبتدأة، وبعد همزة الاستفهام لا تنطق مقطوعة كما تنطق همزات القطع الأخرى.
(3)
ووجدته ينص على الحروف بعامة إذا سمي بها انها لا تغير إلا إذا كانت ثنائية والحرف الثاني منها حرف علة، فاستنتجت أن حرف التعريف ينبغي أن يبقى كما هو،
كان كلامه هذا على الحروف التي تشابه بناء الأسماء، ولا يفهم من هذا أن أل من هذه الحروف التي لا تغير لأنها بهمزة وصل وهمزة الوصل لا تكون في الأسماء كما يقرر سيبويه. إذاً العلة مرتبطة بالاسم سواء كان المنقول إليه فعلا أو حرفا، وعليه يكون حريا بنا أن نستنتج أن تغييره الحرف الثنائي المعتل لعدم مشابهته الاسم دليل نستنتج منه قطع همزة أل إذا صارت اسما لحضور العلة وهي إرادة موافقة بناء الأسماء، لا أن نستنتج أنها تبقى قياسا على هل وقد فنكون قد قسنا ما لا يشبه الاسم على ما يشبه الاسم غير ملتفتين إلى الغرض من التغيير وهوالأساس وعليه المعول.
(4)
فقلت حرف التعريف يشبه الحرف الهجائي الساكن الذي دخل عليه همزة الوصل في أن كل واحد منهما مؤلف من همزة الوصل ومن حرف ساكن، فاستنتجت أن همزة الوصل في حرف التعريف تبقى همزة وصل عند سيبويه عند التسمية به كما بقيت همزة الوصل الداخلة على الحرف الهجائي المفرد الساكن همزة وصل في التسمية.
وهل يقاس الشيء على الشيء لمجرد التشابه اللفظي؟
لفظ الحرف الساكن المفرد أحادي الأصل وهمزة الوصل فيه زائدة لم تزد إلا للتوصل إلى النطق بالساكن الذي انتزع مفردا ولا تقاس همزته على همزة أل التي هي من بنية الحرف الثنائي، قال الخليل: " أقول ابْ وايْ وادْ، فألحق ألفا موصولة. قال: كذاك أراهم صنعوا بالساكن، ألا تراهم قالوا: ابن واسم حيث اسكنوا الباء والسين ... "
ولو صح قياس همزة (ابْ) على همزة (أل) وكانتا من جنس واحد لما غاب هذا الشبه عن الخليل الذي شبه همزة النطق بالحرف الساكن المفرد بهمزة اسم وابن وترك التشبيه بهمزة أل مع أنها أقرب من حيث الشكل لكنها أبعد من حيث الأصل.
(5)
ولم أحمل همزة حرف التعريف على همزات الوصل في ألفاظ الأفعال المبدوءة بهمزات الوصل، لأني وجدت حمله على لفظ الحرف الهجائي الساكن المسمى به وعلى الأسماء المبدوءة بهمزة الوصل أقرب.
ليست القضية قضية حمل همزة حرف على همزة فعل، وليس هذا جوهر المسألة، وإنما القضية أن ما يراد النقل إليه أي الاسم لا يكون بهمزة وصل وإنما يعول على هذا الضابط كما ذكرت وكررت مؤكِّدا.
(6)
فهل بان المقصود؟ وهل في هذا القياس من خلل؟
لعل من يتأمل ما ذُكر بشأن ما اعتُمد عليه في القياس والاستنتاج يدرك الخلل.
أحبتي، هذا آخر ما أكتب في هذه المسألة مهما كان الأمر، والقارئ الفطن إذا قرأ الحوار من مبدئه يستطيع تمييز متماسك القول من مضطربه في كل ما طرح.
ولكم جميعا ولشيخنا الكريم د. الأغر كل محبة وتقدير، ولا يعني خلافنا في هذه المسألة أني أنكر فضله عليّ من قبلُ، بل سأظل أجله وأقدره وأدعوه بـ (شيخي وأستاذي) شاء أم أبى، ووالله لو كان قريبا مني الآن لقبلت رأسه واسترضيته.
تحياتي ومودتي.
¥