ـ[قافية]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 07:46 م]ـ
المبحث الثاني:
كيف يعبث الشعراء المعاصرون بـ (ال)؟؟
لا ريب أن إجابتنا على الاستفهام الذي يدور حول (ال) ودخولها على المضارع، أهو ضرورةٌ أم اختيار؟ كانت شافيةً كافية في المبحث الأول، فدخولها عليه على الأغلب ضرورة شعرية عند الجمهور، وإن عدّوها قبيحة، لذا لا نودُّ التَّزمّت والتّعنُّت في حكمنا على شعر المعاصرين بل لا بُدّ من أن نتّخذ من الموضوعيّةِ منهجاً لنا في البحث علّنا نرْقى به إلى مستوى الدراسة التطبيقية، وقد قال الخليل بن أحمد كلاماً يُلامس فيه ما ينبغي أن يتّسم به الشاعر من حرية وامتياز إذ يقول:"والشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاؤوا ويجوز لهم مالا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ومد المقصور وقصر الممدود والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته واستخراج ما كلّت الألسن عن وصفه ونعته والأذهان عن فهمه وإيضاحه فيُقرّبون البعيد ويبعّدون القريب ويُحتج بهم ولا يُحتج عليهم ويصوّرون الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل" (1)
بعد نظرة الخليل الواسعةِ الأفق للشاعر على أنه أمير الكلام يصنع به ما يشاء فاللغةُ بين يديه طينةٌ يخلقُ منها ما يعُنُّ على خاطره من شطحات الخيالْ ويُقولبها حسب ما يناسبه من أشكالْ، بعد قولِه لا يسعنا إلا أن نغضّ البصر عمّا يرتكبه المعاصرون في أشعارهم الحداثيّة من إدخال (ال) على المضارع بشرط أن تكون موزونةً مُقفّاة تقتضي الضرورة، أما أن يتجاوزوا ذلك إلى إدخالها على الأفعال الماضية والحروف والأفعال الناقصة!! فهذا مالا نقبله إذ لا مسوِّغ له ..
وظاهر كلام الخليل أن للشاعر مُطلق الحرية في صياغة شعره وله أن يتلاعب باللغة كيف يشاء!! والحقيقة أن الخليل لم يُعدّد الضرورات في مقولته إلا لأنه يقصد أن باب الضرورة في الشعر مفتوح، بيد أنه مُحدّد بتجاوزات معروفة عند العرب كقصر الممدود ومد المقصور فليس لنا مثلاً أن ننصب فاعلاً في الشعر ونقول ضرورة!!
وممّا وقع بين أيدينا من شعرٍ للمعاصرين أدخلوا فيه (ال) على المضارع,
قولُ الشاعر السعودي فاضل الجابر (2) في قصيدته نهايات قصية
ورياح المسافات تأخذني لأقاصي النهايات في قصتي
الـ تحتفي بانبلاجك فيها وتنثرني في بقاع الجوى (3)
ويقول أحمد المنعي الشاعر السعودي الشاب، في قصيدةٍ له
منشورة على صفحات الانترنت باسم (سرت ريح الجنوب) (4):
ونازف شعره دمعاً سخينا
يُذيب العاشقين إذا يذوبُ
بكى أرض الشمال وساكنيها
وأحرقه من الوجدِ اللهيبُ
ألا يا ليت كلّ غريب دارٍ
إلى الدار الـ يحِنُّ لها يؤوبُ
ويقول الشاعر السوري عبد الناصر حداد في قصيدته غيمة الروح: (5)
وعدتُكَ
إما أجيئك كُلّي
نقيّاً كسِرّك
أو أدفن الـ يتبقى بقلب الرمادْ
وقد أكثر من إدخال (ال) على المضارع بشكلٍ لافتٍ في شعره ومن ذلك قوله:
لو تركتم رياحي على رسلها أو مياهي على سيلها
ثم حالي على حالها
لو تركتم يدي تقولُ الـ تقوله
لاستفاق الثّرى من سنين
ونلاحظ في إدخاله (ال) الموصولة على (تقوله) ثقلاً يقِفُ حائلاً دون انسياب الموسيقى في آذاننا
ولعلّ السبب في ذلك يكمن في تكرار ذات الحروف (تقولُ الـ تقوله) فتكرّرَ حرف القاف مرّتين كما تكررت اللام ثلاث مرّات ـ لام تقول ولام تقوله ولام (ال) ـ بالإضافة إلى الغرابة التي تصدم المتلقي، وربما حاول التخلّص من ثقل (الذي) وطولها المُخِلّ بوزن البيت فلجأ إلى (ال) إلا أنها لا تنتمي لهذا المكان بتاتاً كما لو أنها ناتئة عنه، فلو ساق (ما) الموصولة فقال: تقول ما تقوله لكانت في رأيي أكثر تناسقاً وجمالاً.
ويقول في قصيدة أخرى:
مقلتي غيمةٌ والرحى دائرة
أبَدَ اللحظة المرّةِ
الأبد الـ يشتري لعنة الموتِ والريح والعاصفات.
ويقول:
الستار الذي انهال يحجبُ كلّي
عروقي تنزُّ غياباً
غيابي الـ يفيضُ
أهال على ناظريّ
ويقول:
واضحٌ هذا الغموضُ الـ يعترينا
واضحٌ كاللغزِ مكشوفٌ كسرٍ
ورماديُّ الملامح.
ويقول الشاعر المغربي علي العلوي في قصيدته صمت الرحيل: (6)
وها صورتك الصامتة الـ تنبئ بالجُرح
الذي يسكن روحي
ويقول الشاعر السعودي محمد خضر: (7)
في المسافة الساحلية الطويلة
الكئيبة الـ تمضغ الكآبة
ويقول في قصيدة له بعنوان (شاهد يقلم أظفاره):
حكتْ عن نبوءة الحقل الـ تبدأ بعد الحصاد
حكت عن مرحلة المهد والخصوبة
¥