تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بتصرف من "منحة الجليل"، (2/ 70، 71).

الثانية: أن يكون الفاعل اسما ظاهرا متصلا، أي بالفعل فلا يفصل بينهما أي فاصل لفظي، حقيقي التأنيث: مفردا، أو تثنية له، أو جمعا بالألف والتاء، فالمفرد كقوله تعالى: (إذ قالت امرأة عمران)، فـ "امرأة" اسم ظاهر، حقيقي التأنيث، فاعل للفعل "قالت"، ولا فاصل لفظي بينهما، فوجب تأنيثه، كما تقدم، والله أعلم.

والمثنى كقولك: قامت الهندان، والجمع كقولك: قامت الهندات.

وأما قول لبيد بن ربيعة:

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ******* وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر؟

أي: وهل أنا إلا واحد من البشر يجري علي ما يجري عليهم من مصيبة الموت؟

قوله ضرورة إن قدر الفعل ماضيا، إذ الصحيح في الاختيار: تمنت ابنتاي، لأن الفاعل اسم مثنى ظاهر، حقيقي التأنيث، غير مفصول عن عامله بفاصل، فتأنيثه واجب، كما تقدم.

وأما إن قدر مضارعا، وأصله: تتمنى، فحذفت إحدى التاءين، كما في:

قوله تعالى: (فأنذرتكم نارا تلظى)، أي: تتلظى.

وقوله تعالى: (تنزل الملائكة)، أي: تتنزل الملائكة.

وقوله تعالى: (فأنت له تصدى)، أي: تتصدى.

وقوله تعالى: (فأنت عنه تلهى)، أي: تتلهى.

وقولك: تزكى، أي تتزكى.

و: وتقدم، أي تتقدم.

و: تهذب، أي تتهذب.

وقول حميد بن ثور الهلالي:

ألا فاسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي ******* ثلاث تحيات وإن لم تكلمي

أي: وإن لم تتكلمي.

إن قدر كذلك، فلا ضرورة.

وأما قوله تعالى: (إذا جاءك المؤمنات)، فإنما جاز عدم تأنيث الفعل، فلم يقل: إذا جاءتك المؤمنات، لوجود الفاصل بين الفعل والفاعل، فالفاعل اسم ظاهر حقيقي التأنيث، وهو "المؤمنات"، ولكنه فصل بكاف المخاطب عن عامله، فجاز تذكير الفعل، وإن كان مرجوحا، كما سيأتي إن شاء الله، والله أعلم.

وربما قيل بأن الفاعل في الحقيقة هو "أل" الموصولة في "المؤمنات"، وهي اسم جمع، فكأنه قيل: إذا جاءك اللاتي آمن، والفعل مع اسم الجمع الدال على جماعة الإناث جائز التأنيث، لأنك إن قدرته بـ "جماعة" أنث الفعل، فيكون تقدير الكلام: إذا جاءتك جماعة النساء اللاتي آمن، وإن قدرته بـ "جمع"، ذكر الفعل، فيكون تقدير الكلام: إذا جاءك جمع النساء اللاتي آمن.

وقد يكون التقدير: إذا جاءك النسوة اللاتي آمن، فيكون التذكير جائزا، لأن "النسوة"، اسم جمع، واسم الجمع، وإن دل على جماعة من الإناث، لا ينطبق عليه حد المؤنث الحقيقي، لأن يصدق على كل أنثى بمفردها، أن لها فرجا، ولا يصدق على جماعة من الإناث أن لهن فرجا واحدا ليقال بأنهن مجتمعات يمثلن مؤنثا حقيقيا، والله أعلم.

وأما في قوله تعالى: (قد جاءتكم موعظة)، فقد اتصلت تاء التأنيث بالفعل رغم فصله عن الفاعل بكاف الخطاب، والفاعل مؤنث مجازي، فجاءت الآية على الوجه الأرجح، كما سيأتي إن شاء الله.

وكذا في قوله تعالى: (قد جاءتكم بينة)، فما قيل في الآية السابقة يقال في هذه الآية.

وفي سورة الأنعام، الآية 157: (قد جاءكم بينة)، حذفت التاء، للفصل بين الفعل وفاعله بكاف الخطاب، فجاءت الآية، كالآية الأولى، على الوجه المرجوح.

بتصرف من "سبيل الهدى بتحقيق شرح قطر الندى"، للشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، ص184.

وأما التأنيث الراجح ففي مسألتين أيضا:

إحداهما: أن يكون الفاعل اسما ظاهرا، متصلا بفعله، مجازي التأنيث، كقولك: طلعت الشمس، فـ "الشمس": اسم ظاهر، مجازي التأنيث، متصل بفعله، فلك أن تقول: طلعت الشمس، أو: طلع الشمس.

ومنه قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت)، فالفاعل: "صلاتهم"، وهو هنا فاعل مجازا باعتبار أنه مرفوع جاء بعد فعل وإن كان الفعل في حقيقته ناسخا والفاعل اسما له، اسم ظاهر، مجازي التأنيث، متصل بفعله، فيجوز في غير القرآن، جوازا راجحا، أن تقول: وما كانت صلاتهم عند البيت، فالآية جاءت على الوجه المرجوح، ولا يعني ذلك أنها غير فصيحة، بل هي فصيحة وإن لم تكن الأفصح، ولا يشترط في كل ألفاظ القرآن أن تكون الأفصح وإنما يكفي أن تكون فصيحة تكلم العرب بها، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير