وقوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم)، وما قيل في الآية السابقة يقال في هذه الآية، لأن الفاعل، مجازا، اسم ظاهر مجازي التأنيث، غير منفصل عن فعله بفاصل، ومع ذلك جاءت الآية على الوجه المرجوح فذكر الفعل، والله أعلم.
وقوله تعالى: (وجمع الشمس والقمر)، وفي غير القرآن يصح على الوجه الراجح: وجمعت الشمس والقمر.
ومن هذا النوع، أن يكون الفاعل: جمع تكسير، أو اسم جمع، لجماعة إناث، لأنه، كما تقدم، لا ينطبق حد المؤنث الحقيقي عليهما، كـ "هنود"، جمع التكسير لـ "هند"، إذ لا يصدق على المجموع أن له فرجا واحدا، وإن صدق على كل واحدة منه أن لها فرجا، و "نسوة"، اسم الجمع الدال على جماعة النساء، وسبقت الإشارة إليه تفصيلا، والله أعلم.
ويلخص ابن هشام، رحمه الله، هذا الضابط بقوله: وليس لك أن تقول: التأنيث في النساء والهنود حقيقي، لأن الحقيقي هو الذي له فرج، والفرج لآحاد الجمع، لا للجمع، وأنت إنما أسندت الفعل إلى الجمع لا إلى الآحاد.
ولا يقتصر الأمر على جمع التكسير الخاص بـ "الإناث"، بل يتعداه إلى جمع التكسير الخاص بـ "الذكور"، فلك أن تقول: قام الزيود، على معنى الجمع، أي: قام جمع الزيود، ولك أيضا أن تقول: قامت الزيود، على معنى الجماعة، أي: قامت جماعة الزيود.
وكذا قولك: أورق الشجر، أي: أورق جمع الشجر، و: أورقت الشجر، أي: أورقت جماعة الشجر.
ومن تقدير الجماعة، قوله تعالى: (قالت الأعراب)، أي: قالت جماعة الأعراب، وقوله تعالى: (كذبت قوم نوح المرسلين).
ومن تقدير الجمع، قوله تعالى: (وقال نسوة)، أي: وقال جمع من النساء.
والنكتة البلاغية في ذلك أن الجماعة تدل على التحزب لفكرة أو عقيدة معينة، وهو ما تميز به الأعراب أصحاب العصبيات، وأما الجمع فهو دال على تجمع لا هدف له، كما هو الغالب على مجالس النساء التي يغلب عليها العبث وكثرة الكلام، وهو ما اتسم به الجمع الذي اجتمع عند امرأة العزيز.
مستفاد من شرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لشذور ابن هشام رحمه الله.
وللشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، تحقيق لطيف جمع فيه حالات تأنيث الفعل المسند للألفاظ التي تدل على معنى الجمع قال فيه ما ملخصه:
الأشياء التي تدل على معنى الجمع ستة أشياء:
الأول: اسم الجمع نحو: قوم ورهط ونسوة.
والثاني: اسم الجنس الجمعي نحو: روم وزنج وكلم، ويقابله اسم الجنس الإفرادي نحو: زيت وخل وماء، وهو غير داخل في هذه المسألة.
والثالث: جمع التكسير لمذكر نحو: رجال وزيود.
والرابع: جمع التكسير لمؤنث نحو: هنود وضوارب، جمع ضاربة.
والخامس: جمع المذكر السالم نحو الزيدين والمؤمنين والبنين.
والسادس: جمع المؤنث السالم نحو الهندات والمؤمنات والبنات.
وللعلماء في الفعل المسند إلى هذه الأشياء ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: مذهب الكوفيين، وهو أنه يجوز في كل فعل أسند إلى شيء من هذه الأشياء الستة أن يؤتى به مؤنثا وأن يؤتى به مذكرا، والسر في هذا أن كل واحد من هذه الأشياء الستة يجوز أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى، فيؤتى بفعله خاليا من علامة التأنيث، وأن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى، فيؤتى بفعله مقترنا بعلامة التأنيث، فتقول على هذا:
جاء القوم، أي جاء جمع القوم، وجاءت القوم، أي جاءت جماعة القوم، وتقول: زحف الروم، وزحفت الروم، وفي التنزيل: (غلبت الروم)، أي غلبت جماعة الروم، وتقول: جاء الرجال، وجاءت الرجال، وتقول: جاء الهنود، وجاءت الهنود، وتقول: جاء الزينبات، وجاءت الزينبات، وفي التنزيل: (إذا جاءك المؤمنات)، وتقول: جاء الزيدون، وجاءت الزيدون، وفي التنزيل: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل)، فأنث الفعل: (آمنت)، رغم أن فاعله "بنو" جمع مذكر سالم.
وكذا قول قربط بن أنيف:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ******* بنو اللقيطة من ذهب بن شيبانا
¥