[حول "النكرة"]
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 07 - 2006, 09:56 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
هذه بعض الفوائد جمعتها عن النكرة أسأل الله، عز وجل، أن ينفع بها
أولا: تعريف النكرة:
وقد تعددت تعريفات العلماء لها:
فقد عرفها ابن هشام، رحمه الله، في "شذور الذهب" بما يميزها، وهو أنها تقبل دخول "رب" عليها، نحو "غلام" و "رجل"، فتقول: "رب رجل" و "رب امرأة"، وبه استدل النحاة على أن "من" و "ما" قد يقعان نكرتين، كقول سويد بن أبي كاهل:
رب من أنضجت غيظا قلبه ******* قد تمنى لي موتا لم يطع
وقول أمية بن أبي الصلت، وإن اختلف في نسبة البيت له:
ربما تكره النفوس من الأمر ******* له فرجة كحل العقال
وشاهده في التنزيل:
قوله تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)
فائدة:
يقول الزمخشري غفر الله له:
فإن قلت: لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي؟ قلت: لأن المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه، فكأنه قيل: ربما ودّ. اهـ
وكذا الحال في البيت السابق، فقد دخلت على المضارع، فيؤول المعنى إلى: ربما كرهت النفوس ......... ، لأن هذا الأمر، بحكم سنن الله، عز وجل، في خلقه، وحكم التجارب، أمر مقطوع بتحققه، فلا عسر إلا ومعه يسران، ولن يغلب عسر يسران، والله أعلم.
ويضيف الزمخشري فيقول:
فإن قلت: فما معنى التقليل؟ قلت: هو وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل، ولا يشكون في تندمه، ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا: ولو كان الندم مشكوكاً فيه أو كان قليلاً لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل، لأنّ العقلاء يتحرّزون من التعرّض للغم المظنون، كما يتحرّزون من المتيقن ومن القليل منه، كما من الكثير، وكذلك المعنى في الآية: لو كانوا يودّون الإسلام مرة واحدة، فبالحري أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودّونه في كل ساعة. اهـ
فالغم، ولو كان مظنونا قليلا، فإن النفوس تنفر منه بطبعها، فهي تبغي السلامة من قليله وكثيره، فكذا الإسلام، لو كانوا يتمنونه، ولو قليلا، لكان حريا بهم أن يسارعوا إليه لما فيه من الخير العظيم، فكيف وهو يودونه في كل ساعة.
ويتفق الحريري، صاحب المقامات، رحمه الله، مع ابن هشام في هذا القيد، إذ يقول في "ملحة الإعراب":
فكل ما "رب" عليه تدخل ******* فإنه منكر يا رجل
نحو: غلام وكتاب وطبق ******* كقولهم: رب غلام لي أبق
ويورد ابن هشام على نفسه مسألة وهي:
دخول "رب" على الضمير في قول الشاعر:
ربه فتية دعوت إلى ما ******* يورث المجد دائبا فأجابوا
وقولك: "ربه رجلا"
فقد دخلت "رب" على الضمير، وهو معرفة، وعليه يكون حد النكرة بأنها اللفظ الذي يقبل دخول "رب"، غير مانع لأنه لم يمنع دخول الضمير المعرفة.
والرد على ذلك: أنه لا يسلم أن الضمير في "ربه فتية" معرفة، بل هو نكرة، لأنه عائد إلى ما بعده، وهو "فتية" و "رجلا"، وهما نكرتان فعاد الضمير إلى نكرة، والضمير ينقسم من جهة مرجعه إلى قسمين:
القسم الأول:
أن يرجع الضمير إلى نكرة واجبة التنكير، فيكون الضمير نكرة، وإن كان بأصل وضعه معرفة، كما في المثالين السابقين، إذ عاد الضمير على تمييز "فتية" و "رجلا"، والتمييز واجب التنكير، فيكون الضمير في "ربه فتية" و "ربه رجلا" نكرة، ويسلم الحد من الاعتراض.
والقسم الثاني:
أن يكون مرجع الضمير جائز التنكير، كـ: "جاءني رجل فأكرمته"، فالضمير في "أكرمته": عائد على متقدم لفظا ورتبة "رجل"، وهو "فاعل"، والفاعل لا يجب أن يكون نكرة، بل يجوز أن يكون نكرة وأن يكون معرفة، فتقول: جاءني رجل، فيكون الفاعل نكرة، وجاءني زيد فيكون الفاعل معرفة، ويكون الضمير تبعا له تعريفا وتنكيرا، وهذا مذهب الكوفيين، والله أعلم.
وأما ابن مالك، رحمه الله، ومعه جمهور البصريين، فيرون أن الضمير في "ربه"، ضمير معرفة، على بابه، وإنما دخلت عليه "رب"، ضرورة في الشعر لا يقاس عليها، وإليه أشار ابن مالك، رحمه الله، في "الخلاصة":
وما رووا من نحو "ربه فتى" ******* نزر، كذاكها ونحوه أتى
بتصرف من "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب"، ص167.
¥