تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعرفها ابن هشام، رحمه الله، في "شرح قطر الندى" بقوله:

هي عبارة عما شاع في جنس موجود، كـ "رجل"، فإنه موضوع لما كان حيوانا ناطقا ذكرا، فكلما وجد من هذا الجنس واحد فهذا الاسم صادق عليه. اهـ

فكلما وجد فرد من أفراد جنس الرجال، صح إطلاق لفظ "رجل" عليه بدون أي قيد معرف، فلا يجب أن نعرفه بإضافته أو بـ "أل" ........... الخ، بل يمتنع ذلك لئلا تخرج الكلمة من حد النكرة، وإنما هو "رجل" أيا كانت صفته.

ولا يمتنع تخصيص النكرة، بوصفها، إذ لك أن تصف هذا الرجل بكونه صالحا أو فاضلا .......... الخ، فتقول: رجل صالح ورجل فاضل، فتتضح النكرة شيئا ما، ولكن تبقى داخل حد النكرة، إذ وصف: رجل صالح ينطبق على أي رجل يتصف بالصلاح، فالتخصيص ضيق دائرة النكرة المحضة ولم يخرجها عن حد النكرة، وكلما ازدادت المخصصات، كلما ازدادت الدائرة ضيقا، مع بقاء شيوعها في الأفراد التي تشملها، فلو قلت: مررت برجل صالح فاضل عابد كريم مصل ........ الخ، بقي الشيوع في جنس من تشملهم هذه الدائرة مهما ضاقت بتوارد المخصصات عليها، والله أعلم.

وهذا يشبه إلى حد كبير، تخصيص العام في علم الأصول، إذ التخصيص يضيق دائرته، وكلما تواردت المخصصات على العام، كلما ضاقت دائرة عمومه، وضعفت دلالته، وإن بقي حجة فيما وراء صور التخصيص، على الراجح من أقوال أهل العلم، فالعام المحفوظ أقوى دلالة من العام المخصص بمخصص واحد، والمخصص بواحد أقوى دلالة من المخصص باثنين، وهكذا، والله أعلم.

ويواصل ابن هشام، رحمه الله، فيقول:

أو تكون مما شاع في جنس مقدر كـ "شمس"، فإنها موضوعة لما كان كوكبا نهاريا ينسخ ظهوره وجود الليل، فحقها أن تصدق على متعدد كما أن "رجل" كذلك، وإنما تخلف ذلك من جهة عدم وجود أفراد له في الخارج، فالشمس واحدة لا تعدد لها، ولو وجدت أفراد له لكان هذا اللفظ صالحا لها.

بتصرف من "شرح قطر الندى"، ص104.

ويقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، بأن النكرة تطلق على كل واحد من أفراد الجنس على سبيل البدل، فلفظ "رجل" يصلح للإطلاق على كل واحد من أفراد جنس الرجال، ولكن على سبيل البدل، بمعنى أنك إذا أشرت إلى أحد أفراد جنس الرجال وقلت: هذا رجل، فإنه لا يدخل معه في هذا القول أي رجل آخر، وإنما يلزمك عند الإشارة إلى رجل آخر، أن تكرر القول فتقول: وهذا رجل، وهكذا، فـ "رجل" كلمة لا تحتمل إلا فردا واحدا من أفراد الرجال في حالة إطلاقها وإن كانت تحتمل كل الرجال على سبيل البدل، فإن لم يوجد أحدهم صح إطلاقها على رجل غيره وهكذا، خلاف المعرفة، كالعلم على سبيل المثال، فإنك إذا قلت: هذا زيد، الشخص المعروف بهذا الاسم، فلا يجوز لك أن تطلق نفس الاسم على أحد غيره، إن لم يكن موجودا، فلا ينوب أحد عنه في هذا الشأن، فالبدلية غير متصورة لأنه لا يوجد تعدد لذات شخص واحد، والله أعلم.

فالنكرة بهذا التعريف، أشبه ما تكون بـ "المطلق"، المتعارف عليه في علم الأصول، وهو الذي يشمل أفراده على سبيل البدل لا الشمول كـ "العام"، كما في حديث: (لا نكاح إلا بولي)، فـ "ولي" نكرة في سياق الإثبات، والنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، كما قرر ذلك علماء الأصول، فالمقصود بـ "الولي" هنا، ولي واحد، لا كل الأولياء، فلم يقل أحد بأن زواج المرأة لا ينعقد إلا بحضور جميع أوليائها في نفس الوقت، وإنما ينعقد بحضور أحدهم، على الترتيب المعروف في باب النكاح، فإن تخلف الأول ناب عنه الثاني على سبيل البدلية، دون أن يجتمع قولهما في صيغة النكاح، وهكذا.

وهذا خلاف العام، الذي يشمل كل أفراده على سبيل الشمول، بحيث يصح إطلاقه على كل أفراده في نفس الوقت، فإن خصص ضاقت دائرة أفراده، وإن حصل التعدد ولكنه أقل من تعدده قبل تخصيصه، فالتعدد فيه متصور في كل أحواله، إلا إن خصص حتى لا يبقى من أفراده إلا فرد واحد، خلاف "المطلق"، الذي لا يتصور فيه التعدد في نفس الوقت، وإنما يتصور فيه التعدد على البدلية، كما تقدم، والله أعلم.

وأشهر قاعدتين أصوليتين تتعلقان بالنكرة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير