ومن الشوام الدكتور خليل ملاَّ خاطر أيضاً، والدكتور محمود الطحان، الدكتور محمود ميرة وهو موجود أيضاً في الرياض، هؤلاء هم رؤوس المدرسة الحديثية ولهم الكفاءة التي يمكن أن يعول عليها، لكن الجهود تحتاج إلى من يجمعها؛ فإذا ما رعت الجهات الوقفية وغيرها جهود أمثال هؤلاء انتفع المسلمون بها انتفاعاً عظيماً.
(البيان): حدثونا عن تجربتكم في تحقيق المسند طبعة دار الرسالة.
في تجربة تحقيقنا للمسند؛ لا بد أن نذكر في مقدمتها وفي منطلقها معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وهو الآن رئيس رابطة العالم الإسلامي، وكان في ذلك الوقت رئيس جامعة الإمام محمد بن سعود، وهو الذي تبنى المشروع وذلل له الصعاب، تؤازره المكرمة الملكية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حفظه الله، وقد شاركت أنا وأخي الدكتور محمود الميرة في وضع منهج التحقيق والنسخ والعمل فيه، وكان لنا نقاشات مطولة مع الشيخ شعيب الأرناؤوط حول كثير من نقاط هذا المنهج، وكان لنا عدد من الملاحظات تم تداركها في الأجزاء الأولى من الكتاب، وأذكر أن الجزء الأول بالذات من المسند، وهو الذي وضع فيه منهج التحقيق، أن تجربته عملت خمس مرات، وكان يعمل في الكتاب أربع لجان: واحدة في سورية برئاسة الأخ الشيخ محمد نعيم العرقسوسي، والثانية موجودة في الأردن برئاسة الشيخ شعيب، والثالثة موجودة في القاهرة؛ بالإضافة إلى لجنة المراجعة التي في الرياض.
وجلسنا ثلاثة أيام جلسات متصلة في عمان في وضع خطوط المنهج في التحقيق واتفقنا على 70% من النقاط وبقيت 30% مثار خلاف لا لأنها ليست علمية ولكن لأنها تكون مكلفة وقتاً ومالاً ولم يعتدها الناشر؛ إلا أنه تُدورِك أغلبها فيما بعد، فكانت اللجان الثلاث تقوم بالتحقيق بينما تقوم لجنة المراجعة بواجبها. وفعلاً سار الأمر على ذلك أننا نراجع ونرسل لهم ملحوظاتنا، والحمد لله بمجرد ما خرجت المجلدات الخمسة الأولى وأهدي منها إلى أهل العلم كالشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ والمختصين الذين لهم دراية والجامعة الإسلامية وجامعة أم القرى، فجاءت معالي الدكتور التركي خطابات ثناء واستحسان للعمل فتشجعنا وتابعت العمل حتى الجزء (18).
ومما يميز هذا العمل أن معالي الدكتور التركي والناشر قد جمعا له نسخاً خطية لم يسبق أن اعتمد عليها في التحقيق أحد مثل نسخة المكتبة الظاهرية، وكذا مثل نسخة الحرم المكي.
(البيان): كم نسخة تقريباً جمعتم؟
النسخ الكاملة من المسند قليلة، لكن مجموعها لا يقل عن ست نسخ، بعضها كامل مثل نسخة بغداد، وبعضها ملفق مثل نسخة المكتبة الظاهرية، ومثل نسخة دار الكتب المصرية، ومثل نسخة مكتبة الحرم المكي، وكان الخلاف: هل تُذكر الفروق بين النسخ ما أمكن وهذا ظاهر في الأجزاء الأولى أكثر منه في الأجزاء الأخيرة، أم نذكر الفروق الجوهرية أو المترتب عليها خطأ وصواب فقط؟
(البيان): وما الدروس المستخلصة والتوجيهات الهامة من هذه التجربة؟
أولاً: المستخلص من هذا أن تحقيق أي كتاب بدون خطة علمية يكون إضعافاً للثقة بمضمونه، وهذه نقطة مهمة جدّاً في التراث، فالخطة العلمية ضرورية جداً والتزامها ضروري.
ثانياً: التعويل على أصول خطية بأكبر قدر ممكن منها في خدمة النص وحتى نصور هذا أنه بالرغم من الاعتماد في الطبعة على ست نسخ خطية إلا أن هذه النسخ جميعاً اتفقت على سقط يبلغ 120 حديثاً في أثناء الجزء (39) من الكتاب، واضطر الإخوة المحققون أن يستدركوا هذا السقط من خلال كتب نقلت عن المسند مثل كتاب أطراف مسند أحمد للحافظ ابن حجر، وكتاب جامع المسانيد للإمام ابن كثير.
فهذا الأمر نحن نعلم أن المسند من 1301هـ متداول مطبوعاً على أنه كامل، ثم في عام 1405 هـ تقريباً أخرج الشيخ محمود الحداد سقطاً بلغ نحو مجلد صغير سماه صلة المسند، ثم لما عملت جمعية المكنز الإسلامي بالقاهرة مؤخراً على الكتاب على نسخ خطية أخرى ظهر أن في جميع هذه النسخ خرماً يبلغ هذا العدد؛ وقد تيسر لجمعية المكنز الإسلامي بحمد الله الحصول على بعض نسخ موثقة اشتملت على هذا الخرم، وعلى زيادة بعض أحاديث لم توجد في غيرها، وستصدر طبعة المكنز الكاملة قريباً بإذن الله. لذلك فالعنصر الثاني هو الاعتماد على أكبر عدد ممكن من النسخ الخطية للكتاب المحقق.
¥