هذا على مستوى الدعاة، أما على مستوى الجماعات أن تكون بينها نوع من الصلة وهذا بدا يحدث عندنا في السودان مما يجعل الجماعات مكملة لبعضها غير حبيسة لأُطُر معينة تعيق عملها من أجل الحق.
كما نلاحظ اليوم جهود الكثير من المؤسسات المستقلة وهذا شيء جيد، ومن هذه المؤسسات الصحف مثلاً فلو وفق الله إسلامياً محترفاً يؤسس صحيفة تكون مؤسسة مستقلة لنشر الوعي، وكذا الجامعات ولها تأثير كبير فهذا كله لعله جزء من الحل والخروج بالعمل الإسلامي إلى واقع قضايا الأمة واهتماماتها. ثم على جميع من يعمل للإسلام أن يتذكر أنه يعمل هذا لإنقاذ نفسه أولاً، فهو ينفع نفسه بالقيام بهذا الواجب فلو تذكرنا هذا لكان حافزاً لنا على المضي قدماً في القيام بالواجبات الملقاة على عواتقنا.
العصر: ألا يرى الشيخ أنه بعد تجربة الحريات في إيران، أننا نشهد نوعاً من الهرولة بغير تبصر في صفوف الإسلاميين لمد جسور التواصل مع الحكومة الإيرانيّة فماذا يرى الشيخ جعفر بخصوص هذا الجانب؟
الشيخ جعفر إدريس: أولاً: أنا أرى أن في فشل النظام المحافظ ونجاح الإصلاحيين نوعاً من الانتصار للفكر الغربي، فبالرغم من أن هذا الانتصار في نفسه شيء حسن إلا أن الحجج التي وراءه هي حجج غربية لذلك نجد نوعاً من الارتياح في أوساط الغربيين لهذا الانتصار، والذي أخشاه أن يكون مثل هذا بدايةً للانسلاخ من النظام الإسلامي.
ثانياً: هناك فرق في التعامل مع إيران كدولة وبين التعامل معها كمذهب، فنحن نتعامل حتى مع الدول الكافرة مثلاً أما موقف بعض الإسلاميين من إيران فتفسيره إما لقلة العلماء في صفوفهم أو لعدم وضوح القضايا العقدية عند بعضهم حتى قال بعض قادتها كلاماً لا يصدر من عامي، إذاً فلا مانع من التعامل مع إيران كدولة بشرط أن لا يكون هذا على حساب الاتجاه السنّي وأن تكون القضايا العقدية واضحة، لا تقبل فيها أنصاف الحلول، وما يدفعني إلى القول بذلك أنه يبدو لي –حسب معلومات من المطلعين على الشأن الإيراني- أنه إذا وجدت الحركات الإسلامية الواعية لأثرت في إيران أكثر مما تتأثر هي، فهناك نوع من الانفتاح في أوساط المثقفين داخل إيران على السُنة وقيل لي أن معرضاً للكتب أقيم في إيران كانت كتب السُنة أول كتب تدخل إليه، فهذا الانفتاح والكراهية الموجودة للنظام السابق وارتباطه بالمذهب الشيعي قد ييسّر من عملية التأثير داخل إيران.
أما ما يقال اليوم عن التقريب بين المذاهب فهذه مسالة قديمة جداً وفشلت، والتقريب لا يتم عبر بضع جلسات يقوم بها بعض الناس من هنا وهناك، ثم أن المشكلة بيننا وبينهم ليست المذهب ولكن الاعتقاد فهم فرقة ر صلة بها بأهل السنة والجماعة.
العصر: لكن كما تعلمون يا شيخ أن للتأثير شروطاً، وأكثر المتصدرين اليوم لهذا الجانب أناس ضعيفوا التأصيل قليلوا البضاعة الشرعية مما يجعل عملهم هذا تمييعاً للمنهج لا تأثيرفيه يذكر.
الشيخ جعفر إدريس: نعم هذا صحيح.
العصر: كما ترون اليوم يخلط الكثير اليوم بين المنهج الشرعي القويم وبين المنهج الحركي وصار الأخير عندهم ديناً مما سبّب انحرافات كثيرة في الصف الإسلامي فما هو الحل بالنسبة لهذه القضية وما هو الفرق بين المنهجين؟
الشيخ: الحل أن ينشط أصحاب المنهج الشرعي أكثر من قبل، فكثير من أتباع المنهج الصحيح مصاب بالانعزال والانكماش بعيد عن معمعة الواقع وأماكن التأثير، ويذكر لي الأخ عبد الله إدريس أنه عندما كان مسؤولاً في إسنا كان يذهب إلى بعض إخواننا السلفيين يعرض عليهم التعاون فيما بينهم وقد اقتنع البعض، فلا بد من المشاركة والذهاب لهداية الناس، فنحن إذا انتظرنا مجيء الناس متى سنؤثر في المجتمع؟ فما دام الناس مسلمين فلا بد من العطف عليهم عند بيان الحق وهذه مسؤولية الذين يعلمون، ولم يكن أهل السنة هكذا فابن تيمية لم يترك أحداً في عصره إلاّ وناقشه، وهناك علماء اليوم سلفيون يتمتّعون بسعة الصدر لكن مشكلتهم أنهم من أبناء الجيل الماضي فليس لديهم معرفة بالأمور الحادثة اليوم، وهناك أفراد من الجيل الحالي يعرف عن هذه الأمور فلو ضمت هذه المعرفة إلى سعة الصدر يكون هناك تأثيراً بإذن الله تعالى.
العصر: كيف ينظر الشيخ إلى الانفتاح في الصف الإسلامي وأدبيات التعامل مع الآخرين؟
الشيخ جعفر إدريس: قد أضيف هنا شيئاً إلى ما أسلفت فيه القول، وهو أن هناك خوف لدى البعض من الانفتاح وهذا الخوف هو من جماعته حتى لا ينكر عليه حضوره لمؤتمر ما أو اختلاطه بأناس معينين فهذا الخوف الذي مصدره الجماعة عائق من عوائق الانفتاح، فلا بد أن يتجرأ البعض على ذلك وقد عانى بعض إخواننا الكثير بعد انفتاحه على الغير، وهذا الأمر مهم ونحن مسؤولون عنه، وأنا شخصياً بالرغم -من انتقادات الآخرين- لكنّي أجتهد أن أكون منفتحاً على الآخرين ...
العصر: إذاً البعض يبالغ في مراعاته لقناعات الآخرين ويدس قناعته في التراب .... وهنا الإشكال ....
الشيخ جعفر إدريس: نعم هذا صحيح ... فلو كانت قناعته الشخصية منعته من المشاركة لكان ذلك أقوى، أو أن يكون هناك ما يخالف الشرع، لكنّ المشكلة أنه خوف من الآخرين لا غير، ومما يذكر عن سعة صدر الشيخ ابن باز أنه عرض علي لقاء في (البي بي سي) “ BBC” فسألت الشيخ ابن باز، ولم أسأله عن التلفزيون فقال: إذا كان الكلام من أجل العقيدة فمسألة التلفزيون تهون، وذلك أن عند الشيخ شك فيها ولكنه أجاز الظهور من أجل العقيدة، فقلت له وكيف لو بينت شيئاً من العقيدة وفاجأني المذيع قائلاً إن هذا ليس ما يعتقده جماهير المسلمين فقال الشيخ:تقول الحق ولو خالف هذا رغبة جماهير المسلمين. لذا يلزم الذين هداهم الله بيان هذا الشيء والخروج من الأُطُر التي حبسوا فيها أنفسهم.
http://www.jaafaridris.com/Arabic/abiog.htm
¥