تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن معظم الدراسات حول هذه الحركة التجديدية كانت دراساتٍ وصفيةً، تُعْنى بالسردِ التاريخي للوقائع والأحداث، أو تختص بدفع شبهات الخصوم في القضايا التقليدية التي استهلكت كثيراً من الطاقات، وأهدرت كثيراً من أوقات الذين اضطروا للتصدي لها، مع ما فيها من الفوائد العظيمة بالنظر إلى سهام الشبهات التي صوَّبها خصومها لصد الناس عنها.

ولعله آن الأوان أن تُنتَدَبَ طائفةٌ من المتخصصين المؤهَّلين لكي تخرج لنا دراسة تحليلية عميقة، تسلط الضوء على سر نجاح هذه الدعوة هذا النجاح الفائق، وتُبْحِرُ في أعماق نفسية هذا الرجل «الأمة» وتكشف لنا أغوار تلك الشخصية «الفذة» التي يندر أن يجود التاريخ بمثلها.

ولئن كانت مراتب الشخصيات التاريخية الفذَّة تُحَدَّدُ ضمن ما تحدد بالبصمة التي طبعتها في تاريخ البشرية، وبالآثار التي تركتها في الدنيا؛ فإن ابن عبد الوهاب بهذا المقياس يتقدم على كثيرين ممن أُعْطُوا هذه المنزلة.

• أسباب نجاح هذه الدعوة:

ولعل من أهم أسباب نجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ بعد توفيق الله ـ عز وجل ـ:

1 ـ أنها انطلقت من التوحيد الذي هو أساس دعوة جميع الأنبياء، ووفَّت العقيدة حقها، ونبذت كل صور الشرك والوثنية.

2 ـ أنها جسَّدت منهجَ أهلِ السنة والجماعة في أجلى صوره، وأنها سارت على خطى المجددين السابقين وبخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى. ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربط بين إعادة التمكين للإسلام وبين التزام هذا المنهج في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثُمَّ تَكُون خِلافَة عَلَىَ مِنْهَاج النُّبُوَّةِ».

3 ـ شخصية الإمام المجدد ـ رحمه الله تعالى ـ المتميزة؛ ولعل عبقرية هذه الشخصية تكمن في إخلاص صاحبها وتجرده، وصدقه الشديد في دعوته، وغيرته الشديدة على حقائق التوحيد، وصبره على الشدائد، «ونكران الذات» فمع أنه الرجل الأول في الدعوة فإنك لا تلمس أثراً لطغيان الـ «أنا» فكان لا يدعو إلى «نفسه» ولا يسعى لبناء مجد شخصي، وإنما: {دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

4 ـ إن الذي بقي من شخص الإمام المجدد سطور خطها يَراعُه، وطبعتها المطابع الحديثة، ومع ذلك فأنت تحس «بنَفَسِهِ» حاضراً في سطوره النابضة بالحيوية، المشرقة بالبساطة والسلاسة، فلا تقعُّر، ولا تكلُّف، ولا تنطُّع، وحين تقرأ كلماتِهِ فإنك تشعر أنك لا تتعامل مع حبر وورق، ولكن مع إنسان حي يخاطب روحك، وينفذ تأثير سطوره إلى أعماق وجدانك، وكأن كلماته جمرات وقَّادة تنبعث منها الطاقة النورانية والحرارية فتؤزُّك أزّاً إلى التحرك ونبذ السكون، وتعمل في قلبك ما يعمله الوقود في غرفة الاشتعال داخل محرك السيارة.

إنما التوحيد إيجاب وسلب

فهما في النفس عزم ومضاء

«لا» و «إلا» قوة قاهرة

لهما في القلب فعلُ الكهرباء

لقد صنف هذا الرجل مصنفات عظيمة البركة، كثيرة النفع على السَّنَن نفسها الذي سبقه إليه المصنفون، لكن: مَنْ قَدَرَ على أن يؤلِّفَ «أمة» ويصنفَ «رجالاً» كما فعل الرجل «الأمة»؟

5 ـ ومن أقوى أسباب نجاح الدعوة التجديدية تلك اللحظات التاريخية التي شهدت أروع تحوُّل فكري وسياسي واجتماعي في قلب الجزيرة العربية في ذلك العصر، حين التحم «التوحيد» و «الحديد»، والتقى «القرآن» و «السلطان»، واندمجت «قوة العقيدة والملة» في «قوة السلطة والدولة» مُمَثَّلَتَيْنِ في شَخْصَيِ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود، ووقَّعا الأحرف الأولى بالتزام تأليف السِّفْر الضخم النابض بالحياة والإيمان والتقوى في صورة من أجمل مشاهد أيام الإسلام في العصور المتأخرة.

لقد كانت مرحلة تحول تاريخي يقول فيه «فيليب حِتِّي» في كتابه «تاريخ العرب»: «إن تاريخ الجزيرة العربية الحديث يبتدئ منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري حين ظهور حركة الموحدين في الجزيرة العربية، وحين شاركت قوة الدين سلطة الحكم» ا هـ.

• خلفيات مصطلح الوهابية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير