تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

محاسن الدولة القديمة، ورحل اتخذ من الشموس الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، مثلا أعلى، فكل قمر من أقمار العرب مذموم عنده موصوفا بالضآلة والنقص؛ لأنه لا يراه إلا على نور تلك الشموس التي لا تقاس مواهب غيرهم بهم, بل إن عثمان وتضحياته الملائكية محيت فضائلها من أدمغة المسلمين لسوء بيان المؤرخين, ومعاوية الذي تتمنى أية أمة من عظام الأمم أن يكون لها رجل يتصف بعشر مواهبه وفضائله, صرنا نسمع ذمه من أقذر الناس وأحط السوقة, والأمين الذي كان كبار الصحابة يجاهدون تحت قيادته طائعين مختارين لصقت به أكاذيب تقرب الكثيرون بها إلى الله جهلا وتعصبا, أقول هذا وأنا علوي، ولكنى أخاف أن يقوض المسلمون صروح فضائلهم وأن يهدموا قلاعا هي من دواعي الفخر, بينما أبناؤنا يتعلمون من الأوربيين وصنائعهم تمجيد رجال لو كشف الغطاء عن تاريخهم الحقيقي لشممنا نتنه" (مقدمة ديوان مجد الإسلام).

ويبين أهمية تصحيح التاريخ فيقول: "أنا مؤمن من صميم قلبي أن رسالة الإسلام جديرة بأن تستقبل من مظاهر العظمة في تهذيب الإنسانية أبهر وأزهر مما كان لها في الماضي ولن تستوفى هذه الرسالة مهمتها إلا بإرجاع الإنسانية كلها إلى نظام الفطرة الطاهرة وذلك متقف على شيء واحد هو أن يعرف العرب والسلمون من هم وممن هم وما هي رسالتهم في الحياة. ولن يكون ذلك إلا إذا بنوا مناهج تعليمهم وأسس ثقافتهم ومعالم أدبهم على هذه المعرفة والإيمان بلوازمها وتعميم طريقهم نحو أهدافها. ورأس ذلك وعموده تصحيح تاريخ العروبة والإسلام وتجريد مما دس فيه. لقد كان محب الدين رحمه الله فخورا جدا بأمجاد الإسلام ومفاخر المسلمين وكان يحزن كثيرا لبقاء بلك الأمجاد والمفاخر بعيدة عن أذهان الشباب المسلم خاصة والمسلمين عامة, وله في مجال تخليد الأمجاد الإسلامية وإظهارها بثوبها القشيب اللائق عمل عظيم لا يجوز أن يذكر محب الدين إلا ويذكر معه, هذا العمل العظيم هو ديوان مجد الإسلام للشاعر الكبير أحمد محرم, وقصة هذا الديوان يلخصها محب الدين رحمه الله في مقدمة الديوان بما مضمونه باختصار: لقد كان يقرأ في المدارس العثمانية شيئا من اللغة الفارسية وآدابها من جملة مقرراتها، وكان أستاذ تلك اللغة يبالغ أمامهم في وصف (الشاهنامة) للفردوسي، وبيانها المنظوم المعجز, ويحدثهم عن صاحبها وكيف أنه أحاط بتاريخ الفرس القديم ثم اتصل بأحد ملوكهم فأعطاه جناحا في قصره وكلفه بأن ينظم أمجاد الفرس فأقام في ذلك القصر ثلاثين عاما وهو ينظم الشعر الرائع في أمجاد فارس حتى بلغت الشاهنامة وهي الديوان الذي وضعه لذلك (ستين ألف بيت). كان يسمع محب الدين ذلك ويقول: "أليس في دنيا العروبة والإسلام من يقوم للعروبة والإسلام بمثل هذا العمل الأدبي الكبير ليتعرف شبابنا إلى أكمل قومية برأها الله في الدهر الأول وأعدها للقيام بأكمل رسالات الله, أيكون للمجوسية وظلمات الظلم كتاب يخلدها ولا يكون للفطرة السليمة الكاملة ورسالة الله العظمى من يدل عليها ويدفع الناس في طريقها (أليس من العار أن يكون للفرس الذين حفل تاريخهم زمن جاهليتهم بالشنائع ديوان مفاخر يغطي فيه البيان على العيوب ويلون ذا الوجهة منها بألوان زاهية ويسلط على ضئيل الخير منها شعاعا قويا مكبرا بأعظم المكبرات فتكون من ذلك (شاهنامة الفردوس) وأن يكون لليونان زمن وثنيتهم وأوهامهم لصبيانية ديوان مفاخر كالإلياذة تتغنى بها الانسانية إلى يوم الناس هذا والإسلام الذي لم تفتح الدنيا عينيها على أعلى منه رتبة, وأعظم منه محامد يجتهد مؤرخوه في تشويه صفحاته والحط من قدر رجاله". لقد بقيت هذه الفكرة تعمل عملها في نفس محب الدين رحمه الله حتى التقى بالشاعر أحمد شوقي رحمه الله وتحدث معه عن الشاهنامة والإلياذة واقترح على أمير الشعراء أن يكون اعظم أحداث امارته في الشعر إهداء مثل هذه الهدية إلى العروبة والإسلام وأدبهما وعظمتهما من ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما (وهذا كلامه) , واستمع شوقي إلى هذا الحديث ولم يعد ولم يرفض ثم زار شوقي وفد في منزله لتجديد الحديث معه فبقي عند موقفه من الصمت والابتسام ثم ظهر بعد ذلك كتيبه عن دول الإسلام وعظماء التاريخ, ولعله كان من أثر ذلك الاقتراح .. ولكن المطلوب (كما يقول رحمه الله) كان أعظم من ذلك وقديما قيل: (اذا عظم المطلوب قلّ المساعد) ,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير