ومن آثار هذه العلة ومن ظواهر هذا المرض: ضعف الإيمان، وسوء الخلق وضعف التعبد، وجفاء الطبع، وعدم الإنكسار لذي الجلال والإكرام، والتكبر مما هو عدة أهل الفخر والتباهي لا من خلق أهل التقوى والزهج ممن يؤثرون الآخرة الباقية على الفانية الزائلة.
* فذاك قدوة الزهاد وعلم أهل الحديث العاملين أبو عبد الله بن سفيان بن سعيد الثوري يقول: ((ليس طلب الحديث من عدة الموت، لكنه علة يتشاغل بها الرجل)).
* يقول علم من أعلام الحديث والسنة في زمانه وهو عبد الله بن الذهبي معلقا على كلامه وشاكيا حال أهل زمانه: ((صدق والله، إن طلب الكحديث شيئ غير الحديث إسم عرفي لأمرو زائدة على ما يحصل ماهية الحديث وكثير منها مراق إلى العلم وأكثرها أمور يشغف بها المحديث، من تحصيل النسخ المليحة، وتطلب المعالي، وتكثير الشيوخ، والفرح بالألقاب والثناء، وتمني العمر الطويل؛ ليروي، وحب التفرد، إلى أمور لازمة للأغراض النفسانية لا الأعمال الربانية، فإذا كان طلبك لعلم الحجيث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك إلى الأخلاص ...... )) (6).
وما زال علمائنا يشتكون من حال كثير من منتحلي الحديث والمشتغلين به، يشتكون من أفعالهم وأخلاقهم وصفاتهم التي تدل على أن صاحبها قد أشغله التكاثر عن ذكر يوم التغابن.
* يقول العلامة الألباني ((متع الله بحياته)): ((علم الحديث بركته في تقويم خلق المحدث أولا ثم فكره ومذهبه ثانيا، فإذا رأيت حديثيا لم يتحسن خلقه ولم يستقم فكره فافهم أن دراسته للحديث لأمر دنيوي؛ قد يكون للمال، قد يكون للظهور؛ فمشكلة من يشتغلون بالحديث أنهم لا يتأثرون به!!)) (7).
فقراءة تراجم العلماء والصالحين تؤثر في تكوين الشخصية وتحسين الطوية وتطهير النية وإنكسار الفلب لرب البرية وتربي الفرد على الخصال الحميدة السوية، وتغرس في النفس الكثير من الفضائل، كحب العلم والسنة والغيرة والحمية والإجتهاد في العبادة وغيرها من المناقب العلية.
لا سيما قراءة تراجم أهل العلم المعاصرين، فإنه مع كثرة الفتن في هذه الأزمان وشيوع الجهل وقلة العلم وقلة الناصح والمعين (8) وكثرة الضغوط والمحن، نجدهم يصبرون ويصابرون لنصرة دين الله وإعلاء كلمته.
فقراءة تراجمهم تذهب من النفس وحشة الغربة، وتنزع من القلب مهابة أهل الضلال والفتنة، وتبعث الأمل في النفس وتعلي الهمة.
وإليك نصيحة خبير خريت، وشهادة من هو بهذا الأمر عليم.
* قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله: ((فسبيل طالب الكمال في طلب العلم: الإطلاع على الكتب التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة، فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم، ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، فالله الله؛ وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم، وأخبارهم، فالإستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قيل:
فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بمسمعي
وأني أخبر عن حالي: ما أشبع من مطالعة الكتب وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز .......
ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب.
فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعبادتهم، وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت استزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطالب، ولله الحمد)).
* ويقول في موضوع آخر: ((رأيت الإشتغال بالفقه وسماع الحديث، لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين لأنهم تناولوا مقصرد النقل، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها، وما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة وذوق لأهي وجدت جمهور المحدثين وطالب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي، وتكثير الأجزاء، وجمهور الفقهاء في علوم الجدل، وما يغالب به الخصم، وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء.
وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه، وذلك أن ثمرة علمه، هديه وسمته، فافهم هذا؛ وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون سببا لرقة قلبك)) (9).
* وأخيرا: أرجو أن يكون هذا البحث حجريلقم في فم كل متطاول على أهل الحديث.
¥