تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الاهتمام الموسيقي يرجع إلى طبيعة اللغة العربية،التي نشأت في بيئة يغلب عليها الأمية،وكان الأدب يعتمد على المشافهة والأذن،وكانت مسامع العرب هي وسيلة الحكم على النص الأدبي؛وهذا أدى إلى أن تكتسب الأذن"المران والتمييز بين الفروق الصوتية الدقيقة، وأصبحت مرهفة تستريح إلى كلام؛ لحسن وقعه أو إيقاعه وتأبى آخر؛لنبوه أو لأنه كما يعبر أهل الموسيقى نشاز" (35)

والحديث عن الموسيقى لاينفصل عن لغة الشاعر وأسلوبه،وعلاقة الشعر بالموسيقى أقوى من علاقات فنية أخرى،فكلاهما سمعي.

والموسيقى ليست زينة عارضة أوحلية ثانوية أو ظاهرة كمالية،إنما عنصر هام ولازم في إقامة البناء الشعري على مختلف عصوره واتجاهاته،لكن التطور وطبيعة العصر جعلا لكل عصر أنماطه البلاغية وإيقاعاته،فلقد كانت حركة تطور الإيقاع في هذا العصر تسير باتجاه البعد عن التفعيلات،والتخلي عنها تدريجيا،وهذا أدخل مجالات غير سمعية عديدة داخل الإيقاع؛ولذا "فإن انتقال بعض الآداب من المرحلة السمعية إلى المرحلة البصرية مثل الشعر العربي له أثره البالغ في تكييف بنيته؛إذ أن الإنشاد كان يجعل القيم الموسيقية في الشعر القديم هي الحاسمة في تحديد قيمته،أما القراءة التي تجعله كتابيا فهي تبرز في تكوينه عناصر تشكيلية مكانية مختلفة عن العنصر الزمني الأول نسبيا " (36)

وإذا كان (سي موريه) قد عرف الإيقاع RUTHM بأنه "التكرار المنتظم لمقاطع صوتية بارزة في اللغة المنطوقة من خلال تبادلها مع مقاطع أخرى أقل بروزا، ويتحدد البروز بعوامل درجة الصوت pitch

وديناميكته ومدته " (37)

فإن هذا التعريف يقتصر على الجانب السمعي،لكن من المفيد أن نستفيد من الجانب التشكيلي وإيقاعيته ونعني بالإيقاع تكرار الكتل أو المساحات مكونة وحدات قد تكون متماثلة تماما UNITS

أومختلفة،متقاربة أو متباعدة ويقع بين كل وحدة وأخرى مسافات تعرف بالفترات.

وهكذا نرى للإيقاع عنصرين أساسيين يتبادلان أحدهما بعد الآخر على دفعات تتكرر كثيرا أوقليلا، وهذان العنصران هما" (أ) الوحدات:وهي العنصر الإيجابي (ب) الفترات: وهي العنصر السلبي وبدونهما لايمكن أن نتخيل إيقاعا،سوء كنا بصدد فنون فراغية كالنحت والتصوير أم بصدد أي من الفنون الزمنية الأخرى كالموسيقى أو الرقص. . .إلخ" (38)

فالعنصر الإيجابي في الإيقاع الموسيقي هو الصوت،والسلبي هو فترة السكون التي تعقبه،وفي الرقص تعتبر الحركة عنصرا إيجابيا والثبات عنصرا سلبيا،وإيقاع الصورة له مراتب متعددة، ومن النادر أن نجد في العمل الفني إيقاعا واحدا فقط، بل الاحتمال الأكبر أن يشمل إيقاعات متعددة،ولن اجتماعها بجوار بعضها بشكل أو بآخر،فهو أمر من شأنه أن يكسب الصور تنويعا وتجديدا في الشكل ويحد من الضجر الذي قد يحس به البعض؛كنتيجة للرتابة المتناهية لو زاد الإيقاع كثيرا،وهذا ينبه إلى وجود عنصر زماني معين في التصوير،إذ النسب المكانية تكتسب قيمة زمانية حين تعمل بعض المساحات على اجتذاب العين مدة أطول من بعضها الآخر؛وبذلك"يكون في اللوحة نوعا من الحركة الصامتة التي يتمثل فيها بدورها الإيقاع" (39)

وكل هذا يؤدي إلى اعتماد القصيدة على الوسائل البصرية؛وهذا يدل على سيادة القراءة على السماع.

ونسعى إلى توضيح عدة ملاحظات تبين دلالة هذا السؤال ــــــ (لماذا الإيقاع تحديدا؟)

ليس من الصعب على أي إنسان أن يربط لأول وهلة بين الشعر والموسيقى، إذ يكفي أن تتذكر أن الشعر لا ينفصل عن الوزن والإيقاع والتنغيم والإلقاء،وأن هذه العلاقة تمتد في مفهوم الشعر نفسه.

لا تجد الموسيقى شرط تولدها فقط في الأوزان المعروفة أو في وزن ما معين،بل تجد شرط تولدها أيضا ـوربما بشكل أفضل ـفي تقطيعات وفي توازنات لا متناهية تجده في التقابل والتشاكل في التكرار على أنواعه:التكرار لحروف بذاتها أو لكلمات،وقد يكون المعنى هو حدود هذه المسافات أو فاصلتها؛وذلك يظهر في التشكيل الهندسي للقصيد الشعري، فثمة تقنيات يمكن استخدامها لتوليد الموسيقى،وثمة تقنيات تتعلق بالتلفظ الصوتي،وتقنيات تتعلق بالتنسيق الدلالي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير