وما من شك في أن التماثل الصوتي للتفعيلات العروضية يعد عمدة المؤثرات الصوتية في حدوث الإيقاع الموسيقي في النص الشعري،ويرجع هذا إلى أن الكمية الصوتية للتفعيلة الواحدة تحوي أكثر من مقطع صوتي،وعندما تتماثل هذه التفعيلات يحدث تماثل صوتي لأكبر كم مقطعي في القصيدة؛وبذلك يشكل الإيقاع الموسيقي بعدا جوهريا في القصيدة من خلال تماثل هذه التفعيلات،والقصيدة العربية بشتى أنماطها يشكل الإيقاع فيها محورا جوهريا،كما أنه يضفي عليها بعدا جماليا ودلاليا؛ويرجع هذا إلى أن العربية تقوم على مبدأ التناسب الإيقاعي والموسيقي في كثير من الأحيان.
وقد تخلت القصيدة الحداثية عن البحر العروضي،وهذا التخلي ليس بالأمر الهين،ولابد للشاعر من تعويض تلك النمطية الموسيقية بإيقاع بديل لها؛لأن الحس الإيقاعي شرط مهم في الشعر العربي خاصة،ولذلك لجأ الشعراء الحداثيون إلى الإيقاع اللغوي إضافة إلى صور الإيقاع الأخرى من صور ونغمات ….؛مما يسمو بالموسيقى الداخلية للشعر،وهي موسيقى لا تخص الشعر الحداثي وحده بل هي ماثلة في كل شعر جيد،ولكن الشعر الحداثي يعتمد عليه أكثر من غيره،فإيقاعه نابع من قلب التجربة الفنية للقصيدة.
ونلاحظ قلة البحوث النقدية في الإيقاع؛فلم يمنح نظرة فاحصة كالتي منحت للنظرة العروضية،وإذا كان الإيقاع يمتد داخل القصيدة وفي فاعلية تشكيلها وتحديد مسارها فهو يتيح تجاوز الرتابة،وهو إيقاع داخلي أكثر منه خارجي ينبع من عناصر الثبات والانتهاك.
والإيقاع كعنصر تأثيري اختلف في الشعر الحداثي عن الشعر القديم؛فأصبح أقرب إلى الهمس منه إلى الجهر،وأصبح أصلح للقراءة منه إلى الإنشاد وللمناجاة منه للخطابة،وهو يحتاج إلى هدوء وتأمل،وأصبح شعر قراءة لا سماع.
هذا وينبه البحث على هذه النقاط:
• إن الخروج في موسيقى الشعر يجب أن يأخذ في الاعتبار قيمة العامل النفسي،أو بمعنى آخر يفلسف فلسفة تأخذ في الاعتبار قيمة العامل النفسي للنسق الكلامي لا صورة الوزن العروضي للبيت الشعري.
• الإيقاع يسهم في خلق مسافة جمالية تجعلنا نتسامى بعيدا عن العالم النثري.
• الإيقاع يرتبط باللحظة التي نشأ فيها، فالمستوى الفني يرتبط بالمستوى الاجتماعي.
• الشعر ـ كما أشرنا سابقا ـ إيقاعيا أكثر منه وزنيا، فلا يستطيع باحث أن يزعم أن موسيقى الشعر قاصرة على الوزن،فلكل عصر أنماطه وإيقاعاته؛فهو الحياة الخصبة بكل غناها.
• الإيقاع إحساس تبرزه الكلمات يتلبس بها،وهو القالب الذي يحتوي الحركة اللفظية والصوتية للنص الشعري.
هوامش المدخل
1 - د ـ شكرى عياد: موسيقى الشعر العربى ص 57
2 - مصطفى جمال الدين:الإيقاع في الشعر العربي صـ45
3 - د ـ أحمد كشك: الزحاف والعلة صـ161
4 - د ـ عز الدين إسماعيل: الأسس الجمالية في النقد العربي صـ376
5 - أحمد بزون:قصيدة النثر العربية (الإطار النظري) صـ141
6 - د ـ محمدغنيمي هلال: النقد الأدبي الحديث صـ435
7 - د ـ أحمد كشك: الزحاف والعلة صـ155
8 - د ـ سيد البحراوي:العروض إيقاع الشعر العربي صـ97
9 - أدونيس: مختارات بدر شاكر السياب صـ10
10 - ألفت محمد كمال: نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين صـ253
11 - إبراهيم عبد الرحمن:من أصولالشعر القديم، فصول مج4،العدد4،1984،صـ29
12 - أدونيس: مختارات بدر شاكر السياب، صـ15
13 - د ـ محمد النويهي: قضية الشعر الجديد، صـ256
14 - محمد بنيس: الشعر العربي الحديث، جـ1،173
15 - السابق،صـ173
16 - مصطفى جمال الدين: الإيقاع في الشعر العربي، صـ7
17 - يوري لوتمان:تحليل النص الشعري، ت د. محمد فتوح أحمد، صـ159
18 - د. صلاح السروي:تحطيم الشكل خلق الشكل، صـ159
19 - د. فؤاد زكريا: مع الموسيقى،صـ51
20 - المعجم الوسيط، جـ2،صـ1093
21 - د. سيد البحراوي: الإيقاع في شعر السياب، صـ8
22 - عبد القادر الرباعي: تشكيل المعنى الشعري، فصول، مج4،العدد2،1984،صـ56
23 - أرشيبالد مكليش: الشعر والتجربة، ت د. سلمى الخضراء الجيوشي، صـ38
24 - يوري لوتمان: تحليل النص الشعري، ت د. محمد فتوح أحمد، صـ70ـ71
25 - علي يونس: نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي، صـ171ـ172
26 - عبد الفتاح الديدي: علم الجمال، صـ46
27 - د. أحمد حافظ رشدان، د. فتح الباب عبد الحليم: التصميم، صـ85
28 - ريتشارد: مبادىء النقد الأدبي، ت د. مصطفى بدوي،صـ192
29 - د. شكري عياد: موسيقى الشعر العربي،142
30 - كريم حسام الدين: الدلالة الصوتية، صـ156ـ157
31 - د. سيد البحراوي: العروض إيقاع الشعر العربي، صـ153
32 - بوريس إيخنباون: نظرية المنهج الشكلي، ت إبراهيم الخطيب، صـ55
33 - د. سيد البحراوي: الإيقاع في شعر السياب، صـ33
34 - د. محمد النويهي: قضية الشعر الجديد، صـ263
35 - د. إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ، صـ191
36 - د. صلاح فضل: نظرية البنائية في النقد الأدبي، صـ466
37 - سي موريه: الشعر العربي الحديث (1810ـ1970) ت (شفيع السيد ـ سعد مصلوح) صـ470
38 - عبد الفتاح رياض: التكوين في الفنون التشكيلية، صـ95
39 - د. فؤاد زكريا:مع الموسيقى، صـ68
¥