تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. مصطفى صلاح]ــــــــ[23 - 09 - 2009, 11:27 ص]ـ

مشكلة اسمها طه حسين

آخر تحديث: الاثنين 20 يوليو 2009 12:12 م بتوقيت القاهرة

إعداد: حمدى عبد الرحيم -

http://www.shorouknews.com/uploadedImages/Sections/Culture/taha.jpg

لعب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين أخطر الأدوار فى حياة الشيخ شاكر. وللحقيقة، فإن بعضا من أدوار العميد لم يكن العميد مسئولا عنها، ولكن هكذا جرت المقادير أن يرتبط اسم العميد باسم شاكر فى الخير والشر، وهنا نذكر بعض القصص التى ربطت بينهما.

القصة الأولى: كان العميد طالبا نابها، فكرمه السلطان حسين كامل وأهداه هدية قيمة، فما كان من خطيب مسجد المبدولى إلا أن مدح السلطان فى وجوده قائلا: «جاءه الأعمى فما عبس فى وجهه وما تولى».

هنا وقف الشيخ محمد شاكر مفتيا ببطلان الصلاة خلف إمام عرض بالرسول وفضل عليه السلطان، فالرسول عبس فى وجه عبدالله ابن أم مكتوم والسلطان تبسم فى وجه طه حسين. وكاد أمر والد شاكر أن يصل إلى ساحات القضاء لولا أن الحكومة تدخلت وطوت القضية قبل وصولها للقضاء.

القصة الثانية: حصل شيخنا على الثانوية العامة من القسم العلمى وكان من النوابغ فى مجال الرياضيات، إلا أنه كان يفضل دراسة الآداب، فرفضت الجامعة الحاقه بقسم اللغة العربية احتراما لتخصصه العلمى، هنا تدخل العميد لدى الأستاذ أحمد لطفى السيد رئيس الجامعة وأقنعه باستثناء شاكر وقبول أوراقه فى قسم اللغة العربية، إذن لولا طه حسين لكسبنا عالم رياضيات وخسرنا أديبا من أكابر الأدب العربى، مذ كان للعرب أدب.

القصة الثالثة: إذن التحق شيخنا الإمام محمود محمود شاكر بكلية الآداب تلبية لمطلب العميد، كان شاكر قبل دخوله الجامعة قد حفظ «المعلقات» وقرأ أمهات الكتب العربية على يد شيخه المرصفى، كما كان فى واحدة من مفارقاته قد أتقن الإنجليزية إتقانا مكنه من قراءة مقال المستشرق الشهير «مرجليوث» عن «نشأة الأدب العربى»، هذا المقال سيقلب حياة شاكر رأسا على عقب.

جلس شاكر أمام أستاذه العميد وراح يسمعه يطعن فى تاريخ بل وثبوت الشعر العربى الجاهلى. رأى شاكر أن ما يقوله العميد ها هو إلا حاشية على متن كتبه «مرجليوث» كظم شاكر غضبه محاضرة ومحاضرتين، ثم وقعت الواقعة، هنا يحسن بنا أن ندع الكلام لصاحبه، يقول شاكر: «ظللت أتجرع الغيظ بحتا، تتابعت المحاضرات والغيظ يفور بى، والأدب الذى أدبنا به آباؤنا وأساتذتنا يمسكنى، فكان أحدنا يهاب أن يكلم الأستاذ، ثم جاءت اللحظة الفاصلة فى حياتى.

طلبت من الدكتور طه أن يأذن لى فى الحديث، فأذن مبتهجا، فتكلمت عن الأسلوب الذى سماه منهجا وعن تطبيقه لهذا المنهج، وعن الشك الذى اصطنعه، وبدأت أدلل على أن ما يقوله عن «المنهج» و «الشك» غامض، وأنه مخالف لما قاله ديكارت، وأن تطبيق منهجه قائم على التسليم تسليما لم يداخله الشك بروايات فى كتب هى فى ذاتها محفوفة بالشك».

يواصل شاكر: «انتهرنى الدكتور طه وأسكتنى، ثم بعد المحاضرة أرسل ينادينى، وجعل يعاتبنى، يقسو حينا ويرفق أحيانا، وأنا صامت لا أستطيع أن أرد، لم أستطع أن أكاشفه بأن محاضراته مسلوخة من مقالة مرجليوث، لأنها مكاشفة جارحة من صغير إلى كبير، ولكنى كنت على يقين أنه يعلم أنى أعلم، ولم أزل مطرقا حتى وجدت فى نفسى كأنى أبكى من ذل العجز، فقمت فجأة وخرجت غير مودع ولا مبال وقضى الأمر، ويبس الثرى بينى وبين الدكتور طه إلى غير رجعة».

يضيف شاكر: «من يومئذ لم أكف عن إذاعة الحقيقة وهى أن طه حسين قد سطا سطوا كريها على مقالة مرجليوث، فكان بلا شك يبلغه ما أذيعه بين زملائى، وطال الصراع غير المتكافئ بينى وبينه، إلى أن عزمت على أن أفارق مصر كلها، لا الجامعة وحدها، غير مبال بإتمام دراستى الجامعية، طالبا العزلة، حتى أستبين لنفسى وجه الحق فى «قضية الشعر الجاهلى». بعد أن صارت عندى قضية متشعبة كل التشعب.

القصة الرابعة: سافر شاكر وهو فى الثامنة عشرة من عمره إلى المملكة العربية السعودية ليكون أول ناظر لأول مدرسة أقيمت بجدة، بعد عامين عاد لمصر، وكتب كتابه الأشهر «المتنبى» فى عام 1936 ومكث لا يرى أستاذه القديم طه حسين حتى جاء العام 1937 فى فترة القطيعة هذه كان العميد قد تراجع بصورة تكاد أن تكون صريحة عن رأيه فى زيف الشعر الجاهلى وذلك من خلال مقالاته الشهيرة «حديث الأربعاء»، التى راح فيها يشرح روائع فحول الجاهلية، وهم أنفسهم الذين كان قد نفى وجودهم!

كان شاكر قد نسب المتنبى للعلويين، فجاء العميد الذى اعترف بإعجابه بكتاب شاكر ونسب المتنبى ــ نستغفر الله العظيم ــ إلى الزنى، فشاعر العربية الأكبر هو عند العميد «لقيط» وإذا سألت العميد، وما دليلك على هذا القول الفاحش الشنيع؟ يجيبك العميد: «المتنبى لم يذكر أمه فى شعره». سبحان الله كأن كل من لم يذكر أمه فى أدبه هو لقيط، غفر الله للعميد زلته.

كلام العميد عن المتنبى وما أخذه عن شاكر ولم ينسبه إليه هيج مجددا ثورة شاكر فكتب عن العميد مقالات حملت عنوان «بينى وبين طه» هى إلى طلقات الرصاص أقرب منها لمقالات الصحف.

القصة الخامسة والأخيرة: لم يكن طه حسين رحمه الله رجلا عابرا لقد كان أستاذا له تلاميذ فوق الحصر، تلاميذ العميد غضبوا لأستاذهم وحاصروا الشيخ بصمت مميت، وأعانهم هو على نفسه بعزوفه عن وسائل الإعلام، التى لم تلتفت إليه حتى بعد فوزه بجائزة الدولة التقديرية وجائزة الملك فيصل العالمية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير