تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجارتنا إن المزار قريب وإني مقيم ما أقام عسيبُ

أجارتنا إنَّا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيبُ

لا يغير هذان البيتان – وهما من زيادات أبي سهل – حقيقة نهاية حياة شاعرنا المبدع.

انتهت رحلته قرب أنقرة، واغترب غربته الأبدية في قبره، وهي أصعب من الغربة عن الأهل، دفن إلى جنب تلك المرأة (27) وفيه يقول القائل – وقد نسب إلى الشاعر – (28):

ربْ طعنة مثعنجرهْ وجفنة متحيرهْ

وقصيدة محبرهْ تبقى غداً بنقرهْ

هل انتهى الأمر عند هذه النقطة؟ بالطبع لا. فموت الفجاءة دهم شاعرنا وقد نكبه الدهر بالجدري والجرب، ولكن من أراد أن يميته بالحلة المسمومة لم ينه رحلته على هذه الشاكلة بل جعلها رحلة ممتعة، فنسج له قصة حب مع ابنة القيصر. وقيل: إن الملك الرومي استعظم فعل امرئ القيس الدخيل الذي قدم طالباً عونه ومدده. صار القيصر المتهتك فجأة شريفاً أبياً تندفع الحمية إلى رأسه حين تناهى إلى مسامعه ذلك النبأ (29).

ولم ينته السخف عند هذا الخبر بل أدخل السمَّار امرأ القيس إلى الحمام مع القيصر. وكان الشاعر قد رآه (أقلف) فذكر ذلك في شعره (30):

إني حلفت يميناً غير كاذبة أنك أقلف إلا ما جلا القمرُ

إذا طعنت به مالت عمامته كما تجمع تحت الفلكة الوبر

لعمري كيف يدخل الملك مع امرئ القيس عارياً وتثور حميته عليه في الوقت نفسه حينما أحب ابنته؟

وإذا تركت أخباراً كمثيرة عارية عن الصحة فإنني أتوقف على خبر الطماح الأسدي واسمه حبيب، وكان امرؤ القيس قتل أخاه؛ فطوى كشحاً على مستكنة واندس إلى بلاط القيصر – وكان منه بمكان – وعمل على إيغار صدره، واحتال له وأشار إليه أن يبعث إلى الشاعر بالحلة المسمومة ففعل (31). وإذا كان العقل يقبل وجود رجل في بلاط الروم فإن العقل بجانب الحقيقة لو اقتنع بفكرة الحلة المسمومة. ولا أدل على ذلك من شعره الموثق الذي يقر فيه بمكائد الطماح على الرغم من البعد المكاني بين الاثنين (32):

لقد طَمَح الطماح من بُعدِ أرضه ليُلبسني من دائه ما تلبسا

وقبل أن أعرض لإثبات وفاة امرئ القيس بسبب الجدري والجرب والحمى أتوقف عند تواريخ الروم. فهي تذكر وفادة أمير على القيصر يدعى قيساً، وتثبت أنه كان أوفد ابنه معاوية قبل قدومه إليه، وكان القيصر قد حثَّ والي اليمن وحليفه ملك الحبشة على إعانة ذلك الأمير العربي. وهو ما ذكره توتوز وبروكوب (33). وهذا أمر مقبول عقلياً ومنطقياً لأنه قريب إلى الواقع؛ أما أن يمده بجيش فهذا محال "فليس هناك مأرب له قيمته في نظر القيصر يجعله يزود امرأ القيس بجيش كالذي تصفه الروايات" (34)، إذ كان في الغسانيين الكفاية للوقوف أمام المناذرة أولاً؛ كما كان فيهم –ثانياً-الوقوف أمام القبائل العربية ولا سيما أن شوكة كندة قد ماتت. ولا ينسى المرء أن يذكر وفاة امرئ القيس التي حدثت ما بين سنتي 530 - 540م (35) وكان حكم جوستنيان ما بين 527 - 565 بعد الميلاد (36). وهذا يعني أن امرأ القيس توجه – على الأغلب – إلى قيصر الروم نحو 530م (37).

يتبع

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[19 - 10 - 2009, 10:36 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... وبعد:

تكملة ...

وإذا كانت الأخبار قد شاعت حول رحلة امرئ القيس فإنا نرى أن الذي وصل إلى القيصر هو الأمير العربي – الكندي وابن عم الشاعر قيس بن سلمة. ويؤكد هذا بروكلمان (38)؛ كما يؤكد عدم وصول الشاعر إلى بيزنطة الدكتور جواد علي إذ قال:

"لم تشر الأخبار عن سفره إلى القسطنطينية وعن كيفية وصوله إلى قيصر، ويظهر من شعره على كل حال أنه سلك طريق الشام، وأنه مرَّ بحوران وبعلبك وحمص وحماة وشيزر. أما بعد ذلك إلى عاصمة الروم فلا نعرف عنه شيئاً" (39). ويبدو أن بعض الباحثين لم يرق له إلا إيصال شاعرنا إلى القيصر ليمده بالعون. ويظهر هذا الباحث نزعة مقيتة كان القربان لها امرأ القيس (40). ويمكنني الآن عرض خبر يؤدي أهدافاً عظمى للحقيقة المجردة. فتواريخ الروم تذكر أيضاً أن رجلاً أصيب بالجدري فمات بسببه وتنص هذه المرة على اسمه بامرئ القيس "وذكر في كتاب قديم مخطوط أن ملك قسطنطينية لما بلغه وفاة امرئ القيس أمر أن ينحت له تمثال وينصب على ضريحه ففعلوا. وكان تمثال امرئ القيس هناك إلى أيام المأمون. وقد شاهده الخليفة عند مروره هناك لما دخل بلاد الروم ليغزو الصائفة" (41).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير