تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد كانت الذاتية والموضوعية حجر الرحى الذي تدور حوله كافة الخصومات بين منتهجي البحث العلمي في ابتغائهم العلمية لما يكتبون ويسجلون. غير أننا في كل تسجيل لا يمكن أبدا أن نلغي الجانب الذاتي ما دامت الذات هي التي تسجل الحادث متخيلا كان أو واقعيا. أما شأن الموضوعية فمتروك للمقاصد التي يؤطر عملية التسجيل وتحدد الهدف المتوخى من ورائها. لذلك ينصرف الهم اليوم إلى بحث مسألة المنهج والهدف والأسلوب .. فتكون الإشكالية على هذا النحو قائمة على كشف الطريقة التي يُتَناول بها الموضوع، وكيفية السير فيه لتحقيق الهدف المسطور قبلا، وما هو الأسلوب الأنجح لتأدية ذلك الدور الخطير.

قد يكشف التبسيط الذي تعرض به بعض الحقائق خطورة التحول في الوظيفة .. وظيفة الرواية بعيدا عن التاريخ. لأننا في تبسيطنا للفروق نقول: «أن التاريخ هو رواية الماضي بينما القصة أو الرواية التاريخية هي نوع من الإبداع أو التأليف المعتمد علي شيء من رصيد ذلك الماضي. وبهذا التحديد الواضح لدلالة المصطلحين , يتضح أنه بقدر ما يكون الكاتب قريبا من حقائق الماضي يكون قريبا من التاريخ , وبقدر ما يكون قريبا من الخيال بعيدا عن الحقائق يكون قريبا من الرواية , وفي الحالين فإن ما نكتبه هو نوع من القصص.» () وبذلك ينتهي التعريف عند عتبة القصة .. وأن التاريخ مجرد قصة قد يكون لها حظ من الواقعية، وقد تفتقر إلى ذلك الحظ. وكونها في كلتا الحالتين مجرد قصة، فإنه يمكن أن يستعاض بها عن التاريخ كما عرفته المؤسسات التربوية الرسمية.

2 - الرواية بديلا للتاريخ:

إذا كان المفكرون أمثال "فوكوياما" " Francis Fukuyama" قد ربطوا بين التاريخ والصراع، ورأوا أن الصراع بمفهومه القديم قد انتهى، وأن ما كان يتفصد عنه من تاريخ كذلك قد ولى، وأنه لم يعد للتاريخ من ضرورة باعتباره سجلا لإفرازات الصرع، فإنه قد صار من الممكن للرواية أن تأخذ مكانه، وأن تسد مسده، وأن تقدم للناس تاريخها الخاص. لأنه: «يمكن القول في ثقة بأن القرن العشرين قد غرس فينا تشاؤما تاريخيا عميقا» () ذلك التشاؤم الذي يفسر غربة الإنسان عن الأحداث التي تصنعه ويصنعها، في زمان ومكان معينين، فإذا عادت إليه مرة أخرى، فإنما تعود "نصا" يجعل المؤرخ وجها لوجه: «أمام خطابات وليس أمام وقائع، الشيء الذي يعني أنه يتحول إلى مؤول للخطاب ثم مؤول لموضوع الخطاب. .لذلك يسود أسلوب التحقيق والتمحيص، فيصبح، من ثمة، الحجاج مهيمنا على أسلوب الكتابة التاريخية، للعمل على إقناع المختص قبل القارئ العادي بمصداقية المستندات ومصداقية التحليل. وكل ذلك بهدف تضييق الهوة بين الواقعي والمحتمل.» () فالالتفات من الحادث الواقعي إلى النص، جعل الكتابة التاريخية تبتعد عن أسلوب المرويات السلسة، التي يسهل مأخذها، وتقترب من أساليب الفلسفة الحجاجية معتمدة على المنطق والجدل، ومن ثم انحصرت الكتابة التاريخية في دائرة النخبة ولغتها. في حين استرسلت الرواية بعيدا عن كل ذلك، تستعير من الشعبي أساليب القص. إن: «المؤرخ لا يسعي للاحتفاء بالتاريخ , ولا يسعي لإبهار الجمهور , لأن ذلك ليس من بين أهدافه الرئيسية. .. ولكن يبقي هدف المؤرخ الرئيسي هو الحقيقة , أما الروائي فيعمل بحرية لا يتمتع بها المؤرخ , فعلي عكس التاريخ الذي يبني علي الحقائق وحدها , يستطيع الروائي إضفاء رؤيته الخاصة بتوسع في اتجاهات مختلفة , مستخدما في ذلك كل الوسائط الممكنة لجذب القارئ, فيضفي علي عمله مالا تستطيع الحقيقة وحدها أن تقدمه ,» () فكانت بذلك الصنيع نقطة التحول في وظيفتها لتلامس جمهورا واسعا جدا من المثقفين، الذين تبدأ صلتهم بالموضوعات بداية حب الاطلاع، أو الدوي الذي تحدثه رواية في وسائل الإعلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير