تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا نتذكر رواية "شفرة دافنشي" " Da Vinci Code" ل "دان براون" " Dan Brown" وما اكتنف ظهورها من ردود أفعال تراوحت بين مؤيد راح يتهم الكنيسة بالكذب والتدليس والغش والخيانة، ومكذب حاول جاهدا دفع التهم التي حملتها الرواية مدعومة بالأدلة والبراهين تؤيدها المخطوطات واللوحات الفنية والنقوش على واجهات الكنائس. لقد وجدت الكنيسة نفسها في وضع حرج فالتزمت الصمت، وأغلقت أبواب المساءلة، ولم نجد سوى رد جماعة "أبوس ديي" " Opus Dei" ( ) التي اجتهدت في نشر بيان على موقعها بالشبكة، لترد التهم التي وجهتها إليها الرواية في كتم الأسرار، واستمرار الممارسات الوثنية في الديانة المسيحية.

لقد كُتب ونُشر العديد من الدراسات التاريخية حول المسيحية وصلتها بالوثنيات التي كانت سائدة في أوروبا في القرنين الأول والثاني، وكذا الفلسفات الأفلاطونية التي تبنتها الكنيسة لتفسير كثير من مقولاتها المتصلة بالعالم الأخروي، والمقولات العلمية التي كانت قائمة لتفسير الكون نشأة ونظاما وسيرا، كنظام "بطوليمي" " Ptolémée" الذي اعتمدته الكنيسة رسميا لتفسير كوسمولوجيا الكتاب المقدس، والتي ثار عليها فيما بعد كل من "كوبرنيكوس" " Copernic" و"غاليليو" " Galilée". غير أن هذه الدراسات "العلمية الموثقة" لم تثر اهتمام العامة من الناس، وأبقت الحوار محصورا وراء أسوار المؤسسات العلمية. ولكن رواية "دان براون" هبت على الناس مثلما تهب رياح السموم لا تأتي على أخضر إلا وجعلته كالرميم، فاهتاج الناس، والتفوا حول أسوار الفاتيكان، وطالبوا الكنيسة بالحقيقة.

إننا لو ربطنا الحقائق مع بعضها بعض، تبين لنا الدور الجديد الذي صار يقوم به الفيلم والرواية. لقد كان فيلم "آلام المسيح" " PASSION OF THE CHRIST" الذي تعمَّد مخرجه "ميل جيبسون" Mel Gibson " إدارة الحوار فيه باللغة العبرية القديمة، بعد أن افتك اليهود من البابا " جون بول الثاني" وثيقة براءة اليهود من دم المسيح، تحديا صارخا للغطرسة اليهودية وابتزازها للمسيحية ماديا ومعنويا. فلم تمض السنة والسنتان حتى خرج من العدم مؤلف روايات بوليسية مغمور إلى عالم الشهرة برواية لم تقدم جديدا في لغتها ولا في حبكتها، وإنما كان جديدها أنها طرحت نفسها بديلا للتاريخ والحقيقة التاريخية.

لقد بحث كثير من الدارسين عن سر شهرتها، فقد كتب "إبراهيم عبد الله" يقول: «فما السر الذي يشدّ عدداً هائلاً من القراء للاطلاع على رواية احتفظت بأفضل أرقام التوزيع قاطبة بين الكتب منذ صدورها إلى الآن؟ علماً أنها نالت تقريظاً استثنائياً من النقاد والجمهور، ويجري تحويلها الآن إلى فيلم Columbia Pictures سيعرض في ربيع عام 2006م. إذا افترضنا أن ذلك جزء من رهانات الرواية التي تجتذب انتباه العالم بصورة متواصلة نكون واهمين، إذ تصدر يومياً عشرات الروايات في شتى أرجاء العالم، وكثير منها يعتمد تقنيات سردية مشوقة، لكنها سرعان ما تنطفئ، أو لا تثير اهتماماً يذكر. وإذا قلنا إنها لكاتب شهير، فذلك ليس بصحيح، فهذه الرواية هي التي جعلت مؤلفها على كل لسان، وهو في مقتبل عمره الأدبي (من مواليد سنة 1964) وليس له سوى روايتين قبلها لم تلفتا الاهتمام إلا بعد صدور «شفرة دافنشي». وإذا قلنا إنها اعتمدت تقنية الرواية البوليسية، فآلاف الروايات البوليسية منذ «أغاثا كريستي» إلى الآن اعتمدت هذه التقنية، فلا تتفرد «شفرة دافنشي» عن سواها من الروايات البوليسية. ونكون أيضاً على خطأ إذا حسبنا هذه الرواية ظاهرة خاصة توافرت الصدف الإعلامية لجعلها في مثل هذه الشهرة النادرة، فقد ظهرت في ذروة أزمة عالمية شديدة الأهمية، صرفت الانتباه عن الأدب والفكر، وهي احتلال العراق. فأين إذن يكمن سرّها؟.» () إن الميزة إذن ليست في ابتداع فني جديد وُفِّق إليه المؤلف في حين غفلة غيره من المبدعين، وإنما الشأن شأن الطبيعة الجديدة التي امتلكتها الرواية من خلال موضوعها، وصلتها بالتاريخي. فقد شكر "دان براون": «في مقدمة الرواية كتيبة من الباحثين المتخصصين في شؤون الدين والفن على جهودهم في توفير المعلومات الدقيقة التي ضمنها الرواية، بل وأكد «أن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق والطقوس السرية في هذه الرواية هو وصف دقيق وحقيقي». وهذه ليست خدعة سردية يريد منها المؤلف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير