تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأولى، حالة البطل الذي يجد نفسه بغتة في قلب الأزمة.» () بل نحن مجبرون على أن: «ننتقل دفعة واحدة من الحياة إلى المغامرة .. من اللامبالاة إلى التوتر، مع إحساسنا بتلك اللسعة الغريبة التي تسبق اليقظة من نوم مضطرب.» ()

إن صاحبنا وهو يمد يده إلى الكتاب في الرف، يستشعر تلك الأحاسيس التي ستصاحب لذة الاكتشاف، وتسري في مخيلته فاسحة فيها مجالا تعيد فيه بناء العالم الافتراضي الذي ستجري فيه أحداث الرواية مجددا، حين تفارق المخيلة التي أبدعتها، وتحل في أرض جديدة تستمد منها كل عناصر البناء، لينشأ بعدها عالم مغاير للعالم الذي عرفته في أول أمرها. إن الرواية تستبدل أثوابها وحياتها بهذه الطريقة، كلما صادفت قارئا تستهويه، تتخذ منه مجالا تتجدد فيه. وتلك حقيقة يتوجب علينا اليوم تأكيدها لأننا حين نقرأ روايات القرن الماضي، أو الذي قبله، فإنه يتعذر علينا إعادة بنائها كما أراد لها أصحابها أن تكون، وإنما يتسع أمرها لنبنيها كما نريد لها أن تكون، بأدوات نستمدها من حاضرنا، ونكسوها قيما من واقعنا. ذلك هو الانتظار الذي يبديه أو يخفيه كل من يقتني الروايات، والذي سيصرف من أجله ساعات من القراءة تعزله عن الدفق الحياتي اليومي، وتدرجه في فضاء يتوغل فيه مع كل كلمة يفك عنها غفلتها، وينفخ فيها نسمة حياة.

2 - الوهم والتشضي:

إن العالم الذي يبنيه القارئ، حين يتابع توالي الصفحات في الرواية، يتسم -وإن كان عالما افتراضيا- بكثير من المعقولية والاحتمال " vraisemblance" فهو قريب الشبه من العالم الواقعي، لا تختلف أشياؤه ومعانيه عن أشياء ومعاني العالم الذي يحيا فيه القارئ. فهو حين يدخله، أو يعيد بناءه، إنما يغترف من عالمه الخاص ما يمكنه من التوصل إلى المقاصد الحقيقة التي بثها الكاتب في عالمه الأول. غير أننا حين نقترب من الرواية الحديثة عموما، والرواية الجزائرية خصوصا، نجابه بحالة من التشضي " éclatement" يتعذر معها الإمساك بالهيكل الباني للعالم الروائي. فتغدو الأحداث بين أيدينا منفرطة كحبات العقد، وهي تتباعد متنافرة في جميع الاتجاهات. فالقارئ من: «مطلع الرواية لا يتعرَّف عالما مألوفا. إنه يدخل على العكس في عالم يبعث على الحيرة، تجردت فيه الأشياء والكائنات والأحداث من العلاقات المألوفة ... وأن ردود الفعال للشخصيات تثير الدهشة، لأنها لا تجري حسابتها، ولا تفكر وفق القوانين المبتذلة للحياة الدارجة.» () فإذا كنا نسلم بأن "التشضي" -في بعض حالاته المضبوطة- قد يكون مطلبا جماليا تسعى الرواية من خلاله إلى فتح مجال القراءة على التأويل لبلوغ غايات ما كان لها أن تبلغها لو ظل النص في خطيته المعللة تعليلا منطقيا. بيد أن "التشضي" الذي يُترك حبله على غاربه، سريعا ما ينقلب فعله الفني إلى فعل تدميري يستهلك طاقة اللغة الرصينة، ويحيلها إلى لغة لاهثة، تجري وراء التحولات والقفزات. لا تعرف أين تبدأ الجملة فيها وأين تنتهي، فتسقط سريعا في "التسطيح" " superficiel" الذي لا يتيح مُهَل التدبر في القضايا المعروضة.

إننا حين نصل إلى عتبة "التسطيح" وتسارع اللغة وراء انزلاقاته، نُمكن لظاهرة تدميرية أخرى من التأكد والمثول، تلك هي ظاهرة "التعدد" " multiplicité" التي تحشر في النص عددا هائلا من المعلومات والملاحظات التي تفتقر إلى الروابط السببية والتعليلية. والتي تجعل الدوران معها مثار ملل لدى القارئ، ومدعاة إلى قتل الرواية في نهاية الأمر.

إنه الخطر الذي يتهدد الرواية الجزائرية، حين يُساء فهم التقنيات التجريبية الحديثة التي عرفتها الرواية الغربية، والتي انتهت بها إلى الكساد .. فإذا كنا نقرأ في نقودهم عناوين مثل "وداع للأدب" " L’Adieu à la littérature"( ) و"ما نفع الأدب؟ " " & Agrave; quoi sert la literature ? و"ما قيمة الأدب؟ " " Que vaut la littérature ?" ( ) و"من قتل الأدب؟ " Qui a tué la littérature" ( ) فإننا نستشعر الخطر الزاحف الذي بدت آثاره المادية واضحة على الرواية الجزائرية.

فحين نقرأ حديث البطلة في رواية "ويصحو الحرير" ل "الزاوي أمين" نلمس آثار "التشضي" في مستويين: مستوى العرض الخارجي الذي يتولاه الوصف، ومستوى التداعي الداخلي الذي يكشف عنه الحديث النفسي.

أ - التشضي الخارجي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير