تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:23 ص]ـ

ولعلّ أقدم قصيدةٍ خَبَبِيَّةٍ يُشيرون إليها هي قصيدة عَمْرٍو الجنّيّ، التي يُقال إنه مدَحَ بها الرسول، ولم يبْقَ منها سوى قوله:

أشَجاكَ تَشَتُّتُ شِعْبِ الحَيِّ=فأنْتَ لَهُ أرِقٌ وَصِبُ

يقول أبو الحسن العروضي (-342هـ): " فهذه قصيدةٌ مشهورةٌ، ولولا الإطالةُ لذكرناها عن آخرها". ويا حبذا أنه فعل. ويُعلّق الزنجاني

(- بعد660هـ) على هذا البيت بقوله: " وقَلَّ أن تجد في هذه القصيدة بيتاً خالياً من الخبن والقطع "، مما يدلّ على أنها كانت معروفةً حتى زمنه.

وأشار أبو الحسن العروضي أيضاً إلى قصيدةٍ أخرى قديمة، لم ينسبها لأحد، قال عنها: " وليست في شهرةِ الأولى"، ذكر منها قوله:

زُمَّتْ إِبِلٌ للبَيْنِ ضُحَىً=في غَوْرِ تِهامَةَ قدْ سَلَكوا

ولعل من أقدم شواهده -إن صحّ- بيتٌ يُنسب إلى امرئ القيس:

الشحْطُ خليطُكَ إذْ بكَروا=ونأوا فمضى بهمُ السّفَرُ

ومنه أيضاً؛ أبيات ينسبونها إلى علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، يقولون أنه استنطق فيها الناقوس، وهي:

إنّ الدنيا قد أغْوَتْنا=واستَغْوَتْنا، واستَهْوَتْنا

لسْنا ندري ما قَدَّمْنا=إلاّ أنّا قدْ فرَّطْنا

يا ابنَ الدنيا مهْلاً مهْلاً=زِنْ ما يأتي وزْناً وَزْنا

ما منْ يومٍ يمضي عنّا=إلاّ أوْهى منّا رُكْنا

كما يرْوُونَ للخليل بن أحمد (-175هـ) أبياتاً على هذا الوزن، مدّعين أنّه هو الذي اخترعه، أوردها أبو الطيب اللغوي (-351هـ) بقوله: " وأحدثَ الخليلُ أنواعاً من الشعر ليست على أوزان العرب " ذلك أنّ له "قصيدة على (فعِلن فعِلن) ثلاث متحركاتٍ وساكن، وأخرى على (فعْلن فعْلن) بمتحركٍ وساكن، فالتي على ثلاثة متحركاتٍ قصيدته التي فيها:

سُئِلوا فأَبَوْا فلقد بَخِلوا=فلَبِئْسَ لَعَمْرُكَ ما فَعَلوا

أبَكَيْتَ على طلَلٍ طَرَباً=فَشَجاكَ وأحْزَنَكَ الطّلَلُ

والتي على (فعْلن) ساكن العين قوله:

هذا عَمْروٌ يستعْفي مِنْ=زَيْدٍ عندَ الفَضْلِ القاضي

فانهَوْا عَمْراً إني أخشى=صَوْلَ الليْثِ العادي الماضي

ليسَ المَرْءُ الحامي أنْفاً=مثلَ المَرْءِ الضَّيْمَ الراضي

وأضاف: "فاستخرجَ المحْدَثون من هذين الوزنين وزناً سمّوه (المخلّع)!، خلَطوا فيه بينَ أجزاءِ هذا وأجزاءِ هذا".

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:27 ص]ـ

ومن الغريب أن يُنقل عن الخليل "أنه نصَّ على طرحِه" وأنه " لم يُجِزْه .. ودفَعَهُ مرّةً واحدة".

ويدّعي آخرون أن هذا الوزنَ لم يكن معروفاً من قبل " وقد اخترعه أبو العتاهية، فأُخِذَ عنه "!! مشيرين إلى قوله (في القاضي كذلك!):

هَمُّ القاضي بَيْتٌ يُطْرِبْ=قالَ القاضي لَمّا عوتِبْ

ما في الدنيا إلاّ مُذنِبْ=هذا عذْرُ القاضي واقلِبْ

كما أشار أبو الحسن العروضي إلى أن هذا الوزن "أكثر من أن يُحصى في شعر المحدثين" آنذاك. وأوردَ له أبياتاً من قصائدَ مختلفة كقوله:

يا دارُ كَسَتْكِ يَدُ المُزُنِ=بُرُداً بِمُفَوَّفَةِ اليَمَنِ

وقوله:

أَمِنَ اجْلِ مُطَوّقَةٍ هَتَفَتْ=أسْبلْتَ دموعَكَ تَنْهَمِلُ

وقوله:

سارتْ بِمَدائِحِكَ النُّجُبُ=وجَزَوْكَ الخيْرَ بِما احتَقَبوا

وقوله:

رَحَلَتْ بِسُمَيَّتِكَ الإبِلُ=فثَوَيْتَ وعقْلُكَ مُخْتَبَلُ

وعلى الرغم من قِدَمه، فلعلّ أشهرَ شعرائه المعروفين هو أبو الحسن الحصري القيرواني (- 488هـ)، صاحب القصيدة الذائعة:

يا لَيْلُ الصَّبُّ متى غَدُهُ=أَقِيامُ الساعةِ موعِدُهُ

والتي بهَرَت مَنْ جاء بعده، فزاد عددُ مُعارَضاتِها على أربعين معارَضَةٍ قديمةٍ وحديثة. وكان شوقي -في بداية هذا العصر- أشهر الذين عارضوها، بقصيدته العذبة المُغَنَّاة:

مُضْناكَ جَفاهُ مَرْقَدُهُ=وبَكاهُ ورَحَّمَ عُوَّدُهُ

فما هي حقيقة هذا البحر الغامض؟ وكيفَ ومتى تُدورِكَ على الخليل؟ وهل تصحّ نسبته إلى الأخفش أم لا؟

للإجابة على مثل هذه الأسئلة الغامضة، كان لا بدّ من تتبّع مساره تتبّعاً تاريخيّاً، للنظر في طريقة بعثه، واستقراء ما قيلَ فيه، مع التزام الحذر الشديد في إصدار الأحكام، أو تعميمها. ذلك أنّ جُملةً من كتب العروض القديمة لا تزال مفقودةً. وأقدمُ الكتبِ المتاحة أمام البحث والتحقيق يبعد عن عصر الأخفش قرناً كاملاً من الزمان، في حين يبعد عن عصر الخليل ما ينيفُ على قرنٍ ونصف.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:32 ص]ـ

لقد أفضى هذا الوزنُ إلى العروضيينَ بعدَ الخليل، فحاولوا أن يجدوا له مبرّرَ وجوده، ولكن على أساسٍ من العروض الخليلي ذاته، دونَ أن يتفهّموا سببَ إعراضِ الخليل عنه، وطَرْحِه له، أو سكوته عنه.

ووفقاً لِما يتوفّر لدينا من كتُب العروض، فرُبّما كان أبو الحسن العروضي (-342هـ)، تلميذ الزجّاج (-311هـ)، أقدمَ العروضيين المعروفين الذين ذكَروا هذا البحر (مستعمَلاً)، عليه عدد من الشواهد الشعرية القديمة والمحدَثة كما مرّ، وسمّاه (الغريب).

ويوحي حديثه عنه بوجودِ جدَلٍ حوله، كان قائماً في عصره، أو قبل ذلك بقليل؛ فهم يسألونه: " فما تقول بقول الشاعر ... ؟ "، "وما تقول بقول الآخر ... ؟ "، " أليسَ عذباً في السمعِ، صحيحاً في الذوق، والشعراء قد أكثرت من هذا الوزن، ولَم ترْوِهِ عن الخليل البتّة، فما العلّة في ذلك؟ " و" هل وجدْتَ منه شيئاً مرْوِيّاً؟ " و"ما اسمُ هذا الباب؟ ". وهو يَعِدُهم أنه سوفَ "يُبيّنه" لهم" ويستقصي الحجّةَ فيه"، حتى"يصحَّ أمره، ويقرُبَ مناله".

وقد أشارَ في حديثه أيضاً إلى أنّ قوماً -غيره- قد حمَلوا قولَ الشاعر:

إنّ الدنيا قَد أغْوَتْنا=واستَغْوَتْنا، واستَهْوَتْنا

على (مفْعولاتن) جهْلاً وخطَأً وعدَمَ دِرايةٍ بالعَروض!! ذلك أن (مفعولاتن) ليست من تفاعيل العروض المعروفة كما يقول.

فماذا فعَلَ أبو الحسن العروضي؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير