تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:35 ص]ـ

لقد نظر في شواهد البحر الشعرية التي كانت متوفرةً لديه، والتي أورد عدداً منها كما مرّ، فوجد أن الفاصلةَ (///ه=فعِلن) تتكرر وتُسيطر على معظم أبياتها، وربما تناوبت (فعْلن=/ه/ه) معها بعضَ المواقع المتفرقة من البيت. ونظراً لمفهومه المسبَق عن التفاعيل الخليلية، فليست (فعِلن) هذه إلاّ بديلاً (زِحافيّاً) عن (فاعلن)، بعد سقوط ألِفِها (بالخبْن)، كالذي يحدث في (البسيط والرمل والمديد والسريع). كما أن (فعْلن) ليست إلاّ صورةً (مَعْلولة) عن (فاعلن) أيضاً، (بقَطع وتدها)، كالذي يحدث في ضروب (البسيط والمديد والسريع)!

ولذلك فقد تراءى لأبي الحسن أن هاتين التفعيلتين (فعِلن و فعْلن) هما وجهان لصورةٍ واحدة هي (فاعلن) الخليلية، التي يتشكّل من تكرارها بحرٌ خليليٌّ مهمل، ينفك عن دائرة المتقارب، ويمكن بالتالي ردّهما إليها، على الرغم من عدم ورود (فاعلن) في أيٍّ من شواهده الكثيرة!! وعلى الرغم أيضاً من أنّ (قطع الوتد= فعْلن) فيه يأتي حشواً، وهي علّة لا ترد إلاّ في عروضٍ أو ضرب!! مخالفاً بذلك سائرَ أنواع الشعر، وأصولَ القواعد الخليلية!!

وفي غمرة من نشوة الاكتشاف، قرَّرَ العروضي أن يكون وزن الخبب ابناً لبحرٍ خليليٍّ مهمل، فحَمَلَه عليه، محتجّاً بوجوب "أن يكونَ للمتقارب شعرٌ على خلافه، أجزاؤه مخالفةٌ لأجزائه، وينفكّ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبه" كما انفكّ الكامل من الوافر، إذْ لا معنى للدائرة، ولا حاجةَ لها [عنده] إذا لم يكن فيها إلاّ بابٌ واحد، "وإنّما الفائدة في الدائرة أن ينفكّ بابٌ من باب، فإذا كانَ في دائرةٍ بابٌ واحد، فمِنْ أيِّ شيءٍ ينفكّ ذلك الباب منه؟ " ([1]). وهي حجّةٌ واهيةٌ، لأنّ معنى الدائرة عند الخليل هو أن يبتدئَ الوزنُ من موضعٍٍ ما على محيطها، وينتهي عنده، مغلقاً الدائرةَ على نفسه، سواء انفكَّ من ذلك الوزن وزنٌ آخر أم لا. ومع ذلك فإن دائرة المتقارب الخليلية تُحقّق ما أراده العروضي منها أيضاً، ذلك أنه ينفكّ منها بحرٌ آخر سوى المتقارب، وإنْ كانَ مُهمَلاً عند الخليل.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:36 ص]ـ

وهكذا يكون أبو الحسن العروضي أوّلَ عروضيٍّ معروف يحمل هذا الوزنَ على ذلك البحر الخليلي المهمل في دائرة المتقارب، وتابعه على ذلك معظم مَن جاء بعده إلى اليوم!! وذلك على الرغم من إحساسه بأن ذلك "مُخالفٌ لسائر أنواع الشعر"، وأنه "قد لَحِقَه فسادٌ في نفس بنائه"! كما يقول. ولذلك سمّاه: (الغريب). وبالتالي يكون العروضيونَ لا الشعراء هم الذين خلَطَوا بين هذين الوزنين، وذلك على الرغم من شعورهم الأكيد بتباينهما، وانفصال إيقاعيهما.

فإذا صحّ قِدمُ هذه الأشعار، وصحّ ما يُنسب إلى الخليل ذاته من شعرٍ على هذا الوزن، وأنه نصّ على طرحه، عرفنا إلى أيِّ حدٍّ كانت أذُنُ الخليل مرهَفَةً، فلم تخلط بين هذين الوزنين كما فعل لاحِقوه، وتأكّد لنا -بالتالي- أن الخليلَ لم يستطع أن يضبطَ قواعد هذا البحر، لقلّته آنذاك، ولِمخالفته جميعَ القواعد والأصول التي انتظمتْ عليها بحورُه الأخرى، فطَرَحَه وأعرضَ عنه، تاركاً حبلَهُ على غاربه.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 12:38 ص]ـ

ولقد حيّرَ هذا البحر العروضيين منذ عرفوه، فلم يُسْلِسْ لهم القياد، متأبِّياً على جميع القواعد والنظُم التي تتحرك في إطارها بحور الشعر الأخرى. وبسبب إتْباعِهم الخببَ بِـ (فاعلن) عَنْوةً، وتقييدَه بها قسْراً، كان لابدّ عند تأصيله من مواجهة بعض المشكلات العروضية المحيِّرة؛ كانت أولاها؛ ورود (فعْلن) بدلاً عن (فاعلن) -جَوازاً- في حشو البيت! و (فعْلن) هذه ليست من زحافات (فاعلن) الجائزة في العروض الخليلي، وإنما هي (علّة) ملتزمة، لا ترد إلاّ في الأعاريض والضروب. ومن ثمّ تملّكتْهم الحيرة الشديدة في تبرير وجودها. فمن قائلٍ: إنّ (القطْعَ) قد أصاب وتد (فاعلن)، فبقي منها (فاعلْ) " فيُنقل إلى (فعْلن) ". ومن قائلٍ: إنّه (الإضمار) بعد الخبن، أصابَ (فعِلن) فسُكِّنت عَيْنُها. ومن قائلٍ: بل هو (التشعيث)!!

ومع ازدياد الكتابة عليه حديثاً، ازدادت معضلاته العروضية. فقد تنبّهت نازك الملائكة إلى وجود تفعيلة أخرى، لم يعرفْها العروض الخليلي من قبل، ولا تنبّه لها أحدٌ في نماذج الخبب الأولى. تلك هي (فاعِلُ /ه//) المتحركة الآخر، والتي انتشرت انتشاراً واسعاً في نماذج الخبب الحديثة، دون أن يتعارضَ وجودُها مع موسيقا البحر وإيقاعه.

ومن ثمّ تصارعت الآراء مرة أخرى حول هذا البحر، ومكانة (فاعلُ) فيه، وراحوا يتأوّلون لوجودها التفاسير والتعليلات المختلفة.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:08 م]ـ

وكانت نازك الملائكة أول من أثار مشكلتَها، إلاّ أنها نسَبَتْها لنفسِها بقولها: " وليس في الشعراء -فيما أعلم- من يرتكبُ هذا سواي "!!. واعتبرتْها "تطويراً" سارت إليه دون قصد، قَبِلَتْه أذُنُها، ولم ترَ فيه شذوذاً، مما يعني عندها " أنّ (فاعِلُ) لا تمتنع في بحر الخبب، لأنّ الأذنَ العربية تقبلُها فيه "!

والعجيب أن تتأوّل لنا تعليلاتٍ غريبةً لقبولها، فتقول: إنها تتساوى مع فعِلن " من ناحية الزمن تساوياً تامّاً"، " لأَنّ طولُهما واحد "!! "إذ تحتوي كل منهما على ثلاثة متحركات وساكن"، " وإنما الفرقُ بينهما في مواضع المتحركات والساكن "!!.

بل إن نازكاً حاولت أن تستعيرَ لغةً غير لغتها، هي لغة الموسيقى، لتُثْبِتَ لنا " أنّ كلتا الوحدتين مكوّنةٌ من ضربتين قصيرتين وضربة طويلة، وإنما تقع الطويلة في مطلع (فاعِلُ)، وفي آخر (فَعِلُنْ) "!! وأنَّهما تستويان في عدد الأجزاء " فكلاهما يتألف من أربعة أجزاء "!!.

وغريب أن تصدر مثل هذه التعليلات الهزيلة عن ناقدةٍ شاعرة كنازك، وهي تعلم أن كل التفاعيل -السباعية مثلاً- متساوية من الناحية الزمنية تساوياً تامّاً، لأنّ أطوالَها واحدة، إذ تضمّ كلٌّ منها أربعة متحركات وثلاثة سواكن، وإنما الفرق بينها في مواضع المتحركات والسواكن (مستفعلن /ه/ه//ه، مفاعيلن //ه/ه/ه، فاعلاتن /ه//ه/ه)، وهي بلغة الموسيقى أيضاً تُساوي ثلاث ضربات طويلة وواحدة قصيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير