إن الناظر في مكتبة الشعر الجاهلي والأموي اليوم وهو يتأمل في آلاف الأبيات والقصائد التي قيدها الرواة العظام سواء ما كان منها في مجموعات شعرية كالمفضليات والأصمعيات وجمهرة أشعار العرب وغيرها، أو كان في دوايين يختص كل منها بشعر شاعر فرد كديوان امرئ القيس وديوان زهير بن أبي سلمى وغيرهما، ليعجب أشد العجب من تمكن الخليل لوحده، وبلا لجنة تعينه كما هو دأبنا اليوم، من جمع كامل أوزان هذا الشعر في عصره والعصور التي سبقته، فلا تجد بيتا منها أو قصيدة لا تسلك في نظامه العروضي إلا ما شذ وضعه وكان نادرا أو حتى مضطرب الرواية.
ولقد حصر الخليل هذه الأوزان في ثلاثة وستين نسقا وزنيا عد كل واحد منها ضربا، ووجد أن هذه الضروب تشترك مع بعضها البعض في أربع وثلاثين عروضا حتى إذا استمر في بحث المشترك منها وجد أنها كلها ترجع إلى خمسة عشر بحرا أطلق عليها أسماء من عنده وهي الأسماء التي لا نزال نتداولها حتى اليوم كالطويل والمديد والبسيط، وأكثر هذه الأسماء هي من اختراع الخليل والقليل منها ما كان معروفا كالرجز والرمل مع بعض التغير في دلالته القديمة.
وليس هذا فحسب، بل إن إدراك الخليل قد اتسع ليحيط بكل تغيير وقع في مقاطع الكلام المنظوم ما عظم أثره أو قل. وقد وضع قوانين لهذه التغييرات فيما اصطلح عليه بالمعاقبة والمراقبة، ووثقها بشواهد من الشعر عديدة مطلقا عليها اسم أبيات الزحاف.
ولقد قيل عن الخليل إنه كان من أعظم الرواة في عصره، وهو قول لا شك أنه صحيح، ولكنه مع ذلك لا يفسر قدرته العجيبة على الإحاطة بكل هذه الأوزان مع ما رافقها من انحرافات شاعت بكثرة أو بقلة أو كانت بين هذا وذاك متوسطة الشيوع في زمن لم تكن له وسيلة من التخزين والإحصاء إلا الذاكرة والعقل البشري. وإذن، فما هو السر في هذا العمل الفردي الذي يبلغ حد الإعجاز وقد تعجز لجنة كما قلنا عن الإحاطة بمثله؟ إننا لو تأملنا في ما صنعه في معجم العين الذي ألفه أو وضع خطة تأليفه حيث رأيناه يتمكن من حصر مواد اللغة بأوزانها الثنائية والثلاثية والرباعية، ما استعمل منها وما أهمل، وعرفنا أنه قد استند في ذلك إلى نظرية التوافيق والتباديل الرياضية المحضة، لأدركنا أنه طبق شيئا من هذه النظرية على أوزان الشعر فأحاط بكل ما استعمل وما لم يستعمل من الأوزان في مبحثه الخاص بالدوائر.
وقبل أن نشرع في شرح نظرية الخليل في العروض، تلك النظرية التي سفهها بعض القوم ظلما، وأقر بعضهم جهلا أنها لا جدوى من ورائها، نعرض أولا لهذه الأبيات الشواهد التي تعد في نظرنا قاعدة بيانات متكاملة لمجمل العروض العربي وأوزانه حتى عصر الخليل ولا زالت القائمة تتسع حتى اليوم.
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[12 - 04 - 2009, 08:55 م]ـ
قائمة الضروب استنادا إلى شواهد الخليل
ملاحظة: يجب ألا يتوالى مقطعان قصيران على النحو [1] [1] إلا في بحر الرجز فيما يسمى المكانفة، وكذلك يمتنع توالي مقطعين طويلين على النحو [2] [2] في بحري المضارع والمقتضب.
1 - الطويل
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا = ويأتيك بالأخبار من لم تزود
1 2 [2] 1 2 [2] [2] 1 2 [2] 1 2 1 2 =
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا = حنانيك بعض الشر أهون من بعض
= 1 2 [2] 1 2 [2] [2] 1 2 [2] 1 2 2 2
أقيموا بني النعمان عنا صدوركم = وإلا تقيموا صاغرين الرؤوسا
=1 2 [2] 1 2 [2] [2] 1 2 [2] 1 2 2
2 - المديد
يا لبكر أنشروا لي كليبا = يا لبكر أين أين الفرار
[2] 1 2 [2] [2] 1 2 [2] 1 2 2 =
اعلموا أني لكم حافظ = شاهدا ما كنت أو غائبا
[2] 1 2 [2] [2] 1 2 [2] 1 2 =
لا يغرن امرأ عيشه = كل عيش صائر للزوال
= [2] 1 2 [2] [2] 1 2 [2] 1 3
إنما الذلفاء ياقوتة = أخرجت من كيس دهقان
= [2] 1 2 [2] [2] 1 2 2 2
للفتى عقل يعيش به = حيث تهدي ساقه قدمه
[2] 1 2 [2] [2] 1 2 1 1 2 =
رب نار بت أرمقها = تقضم الهندي والغارا
= [2] 1 2 [2] [2] 1 2 2 2
3 - البسيط
يا حار لا أرمين منكم بداهية = لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
[2] [2] 1 2 [2] 1 2 [2] [2] 1 2 1 1 2 =
قد أشهد الغارة الشعواء تحملني = جرداء معروقة اللحيين سرحوب
= [2] [2] 1 2 [2] 1 2 [2] [2] 1 2 2 2
ماذا وقوفي على رسم عفا = مخلولق دارس مستعجم
[2] [2] 1 2 [2] 1 2 [2] [2] 1 2 =
إنا ذممنا على ما خيلت = سعد بن زيد وعمرا من تميم
¥