ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[16 - 01 - 2008, 11:45 م]ـ
كانت عند رجل امرأةٌ يقال لها أم مالك وكان بها معجباً. فأقسمت عليه أمّه أن يطلّقها، فذهب عقله، ونحل جسمه. فحضره الموت، فدخلت عليه أم مالك تعوده، فلمّا ولّت قال لأمّه: يا عجوز ليهنك فقد ابنك في الدّنيا، والإثم لك في الآخرة. ثمّ أنشأ أن يقول:
لنا حاجةٌ في آل مروان دونها = من النّفر الغرّ الوجوه قبيل
فمت كمداً إنّ كان يومك قد أتى = أو اصبر على ما خلّيت فقليل
فلمّا خرجت عنه، فاضت نفسه. وما وصلت إلى منزلها حتّى سقطت ميّتة
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[21 - 01 - 2008, 01:02 ص]ـ
كان الحارث بن الشريد يعشق عفراء بنت أحمر، فلما قل صبره كتب إليها:
صبرت على كتمان حبك برهة = وبي منكِ في الأحشاء أصدق شاهد
هو الموت إن لم يأتني منك رقعة = تقوم لقلبي في مقام العوائد
فلما وصلت الرقعة كتبت إليه:
كفيت الذي تخشى وسرت إلى المنى = ونلت الذي تهوى برغم الحواسد
فو الله لولا أن يقال تظنناً = بي السوء، ما جانبت فعل العوائد
فلما وصلت الرقعة إليه وضعها على وجهه، فلما شم رائحة يدها شهق شهقةً فقضى نحبه.
قيل لعفراء: ما كان يضرك لو روَحتِ عن قلبه وأجبتيه بزورةٍ؟ قالت: منعني منه قولكن عفراء! فوالله لأقتلن نفسي من حيث لا يعلم بي أحد إلا الله، فلحقت به سريعاً.
ـ[عصام الظفاري]ــــــــ[22 - 01 - 2008, 01:06 م]ـ
:)
تسلم يدك على كتابة هذة المواضيع.
واشكر لك ذوقك الرفيع في الاختيار.
ادامك الله ياليث ........... :)
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[22 - 01 - 2008, 11:54 م]ـ
حكى جميلٌ بن معمر العذري: أنّه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا جميل حدّثني ببعض أحاديث بني عذرة. فإنّه بلغني إنّهم أصحاب أدبٍ وغزلٍ. قال: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمك أنّ آل بثينة انتجعوا عن حيّهم، فوجدوا النّجعة بموضع نازح فظعنوا، فخرجت أريدهم، فبينما أنا أسير إذ غلطت الطّريق وأجنّني الليل فلاحت لي نارٌ، فقصدتها حتّى وردت على راعٍ في أصل جبل قد انحنى عنه إلى كهفٍ فيه، فسلّمت، فردّ عليّ السّلام، وقال: أظنّك قد غلطت الطّريق؟ فقلت: أجل. فقال: انزل وبت الليلة فإذا أصبحت وقفت على القصد فنزلت فرحب بي وأكرمني وذبح شاة، وأجّج ناره، وجعل يشوي ويلقي بين يدي، ويحدّثني في خلال ذلك. ثمّ قام بإزارٍ كان معه فوضع به جانب الخبا ومهّد لي محلّاً خالياً فنمت.
فلمّا كان في الليل سمعته يبكي إلى شخصٍ كان معه، فأرقت له ليلتي. فلمّا أصبحت طلبت الإذن فأبى، وقال: الضّيافة ثلاث. فجلست وسألته عن اسمه ونسبه وحاله، فانتسب فإذا هو من بني عذرة، من أشرفهم. فقلت: وما الذي جاء بك إلى هذا؟ فأخبرني أنّه كان يهوى ابنة عمٍّ له، وأنّه خطبها من أبيها فأبى أن يزوّجها إيّاها لقلّة ذات يده، وأنّه تزوّجها رجلٌ من بني كلاب وخرج بها عن الحي، وأسكنها في موضعه. وأنّه رضي أن يكون لزوجها راعياً حتّى تأتيه ابنة عمّه فيراها. وأقبل يشكو قديم عشقه لها، وصبابته بها حتّى أتى المساء، وحان وقت مجيئها. فجعل يتقلقل ويقوم ويقعد، ثمّ وثب قائماً على قدميه، وأنشأ يقول:
ما بال ميّة لا تأتي كعادتها = أعاجها طربٌ أو صدّها شغل
لكنّ قلبي عنكم ليس يشغله = حتّى الممات وما لي غيركم أمل
لو تعلمين الذي بي من فراقكم = لما اعتذرت، ولا طابت لك العلل
نفسي فداؤك، قد أحللت بي سقماً = تكاد من حرّه الأعضاء تنفصل
لو أنّ ما بي من سقمٍ على جبلٍ = لزال وانهدّ من أركانه الجبل
ثمّ قال لي: اجلس، يا أخا بني عذرة، حتّى أكشف خبر ابنة عمّي. ثمّ مضى فغاب عن بصري، فلم ألبث أن أقبل وعلى يديه محمول، وقد علا شهيقه ونحيبه، فقال: يا أخي هذه ابنة عمّي أرادت زيارتي فاعترضها الأسد فأكلها. ثمّ وضعها بين يديّ، وقال: على رسلك، حتّى أعود إليك. فغاب عن نظري فأبطأ، حتّى آيست من رجوعه، فلم ألبث أن أقبل ورأس الأسد على يديه فوضعه ثمّ، قال: يا أخي إنّك ستراني ميّتاً فاعمد إليّ وإلى ابنة عمّي فأدرجنا في كفنٍ واحدٍ، وأدفنّا في قبرٍٍ واحدٍ، واكتب على قبرنا هذين البيتين:
كنّا على ظهرها والعيش في مهلٍ = والشّمل يجمعنا والدّار والوطن
ففرّق الدّهر بالتّصريف إلفتنا = فصار يجمعنا في بطنها الكفن
وردّ الغنم إلى صاحبها، وأعلمه بقصّتها.
ثمّ عمد إلى خناقٍ وطرحه في عنقه، فناشدته الله لا تفعل، فأبى وخنق نفسه حتّى مات. فلمّا أصبحت كفّنتهما ودفنتهما وكتبت الشّعر كما أمر، ورددت الغنم إلى صاحبها وأعلمته بقصّتهما، فحزن حزناً خفت عليه الهلاك أسفاً على ما فرّط من عدم اجتماعهما.
ـ[ليث بن ضرغام]ــــــــ[27 - 01 - 2008, 12:41 ص]ـ
قال ابن حبيب المذكر: دخلت دار المرضى بنيسابور فرأيت شاباً من أبناء النعم، يقال له أبو صادق السكري، مشدوداً، وهو يجلب ويصيح، فلما بصر بي قال: أتروي من الشعر شيئاً؟ قلت: نعم! قال: من شعر من؟ قلت: من شعر من شئت. قال: من شعر البحتري؟ قلت: أي قصيدة تريد؟ فقال:
ألَمْعُ بَرقٍ سرى أم ضوْءُ مِصْبَاحِ = أمِ ابتسامتُها بالمَنظَرِ الضّاحي؟
فأنشدته القصيدة، فقال: فأنشدك قصيدة؟ قلت: نعم! فأخذ في إنشاد قصيدته:
أقصِرَا! إنّ شأنِيَ الإقصَارُ=وَأقِلاَ لا ينفَعُ الإكثارُ.
حتى بلغ قوله:
إن جرَى بينَنا وبينَكِ عتَبٌ = أوْ تناءتْ منّا ومنكِ الديارُ.
فالغَليلُ الذي عهِدتِ مُقيمٌ = والدموعُ التي شهِدتِ غِزارُ.
فقفز وجعل يرقص في قيده ويصيح إلى أن سقط مغشياً عليه.
¥