تحرير القول في هذه المسألة، أن الإسرائيليات في التفسير لها أربعة أقسام:
القسم الأول: ما عُلم كذبه بشهادة شرعنا له بالبطلان. وهذا يجب رده وعدم قبوله، ولا يجوز حكايته إلا على سبيل الاعتبار والتنبيه على بطلانه.
القسم الثاني: ما علم صدقه بشهادة شرعنا له بالصحة. وهذا يذكر في تفسير الآية استشهاداً لا اعتقاداً، ولا يجوز أن يكون هو المفسر للآية، بل المفسر هو ما ثبت في شرعنا.
القسم الثالث: ما كان من المسكوت عنه. ولكن فيه من الخرافة ما تحيله العقول، ويغلب على الظن كذبه، فهذا أيضاً يجب رده وعدم قبوله، ولا يحكى إلا على سبيل التنبيه على بطلانه.
القسم الرابع: ما كان من المسكوت عنه، وليس فيه ما تحيله العقول، ولا يغلب على الظن كذبه. ومثلُ هذا يجب التوقف فيه، فلا يحكم عليه بصدق ولا كذب، وعليه يتنزل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (2).
قال ابن كثير – بعد سياقه للحديث الثاني -: «هذا محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا، فليس عندنا ما يصدقها ولا ما يكذبها، فيجوز روايتها للاعتبار» أ. هـ. (3)
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –: «واعلم أن كثيراً من المفسرين -رحمهم الله– قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل، ونزلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيراً لكتاب الله، محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة، ولا منزلة على كتاب الله، فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن مرتبتها كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم»، فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكاً فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به، والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل القصص المنقولة بالروايات المجهولة، التي يغلب على الظن كذبها، أو كذب أكثرها، معاني لكتاب الله، مقطوعاً بها، ولا يستريب بها أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا، حصل ما حصل، والله الموفق».أ. هـ (4)
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة يحمل على القسم الرابع، والله تعالى أعلم.
====================
(1) أخرجه البخاري - من حديث أبي هريرة - في كتاب تفسير القرآن، باب {قُولُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]، حديث (4485).
(2) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر، في كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث (3461).
(3) تفسير ابن كثير (1/ 5)، و البداية والنهاية (1/ 5). وانظر: مجموع الفتاوى (13/ 366 - 368)، وتيسير الكريم الرحمن (62 - 63)، وقواعد الترجيح، لحسين الحربي (1/ 228 - 232).
(4) تيسير الكريم الرحمن (62 - 63).
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[07 Jul 2003, 07:58 ص]ـ
سورة القلم
تفسير ابن كثير لقوله تعالى "ن"
وَقِيلَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " ن " حُوت عَظِيم عَلَى تَيَّار الْمَاء الْعَظِيم الْمُحِيط وَهُوَ حَامِل لِلْأَرَضِينَ السَّبْع كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير:
- حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَان هُوَ الثَّوْرِيّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَان هُوَ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي ظَبْيَان عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْقَلَم قَالَ اُكْتُبْ قَالَ وَمَاذَا أَكْتَب؟ قَالَ اُكْتُبْ الْقَدَر فَجَرَى بِمَا يَكُون مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم إِلَى قِيَام السَّاعَة ثُمَّ خَلَقَ النُّون وَرَفَعَ بُخَار الْمَاء فَفُتِقَتْ مِنْهُ السَّمَاء وَبُسِطَتْ الْأَرْض عَلَى ظَهْر النُّون فَاضْطَرَبَ النُّون فَمَادَتْ الْأَرْض فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ فَإِنَّهَا لَتَفْخَر عَلَى الْأَرْض
وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ أَحْمَد بْن سِنَان عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش بِهِ
وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَة وَمُحَمَّد بْن فُضَيْل وَوَكِيع عَنْ الْأَعْمَش بِهِ وَزَادَ شُعْبَة فِي رِوَايَته ثُمَّ قَرَأَ " ن وَالْقَلَم وَمَا يَسْطُرُونَ "
وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيك عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي ظَبْيَان أَوْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس فَذَكَرَ نَحْوه
وَرَوَاهُ مَعْمَر عَنْ الْأَعْمَش أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَرَأَ " ن وَالْقَلَم وَمَا يَسْطُرُونَ "
إه كلام ابن كثير رحمه الله
وهذا الأثر، كما ذكر أحد مشايخنا، صحيح الإسناد لابن عباس رضي الله عنهما
هل تظن، يا شيخ محمد، أن هذا الأثر يمكن حمله على أنه مما رواه ابن عباس من الإسرائيليات؟
¥