تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دفع ما قد يشكل من آيات سورة البقرة]

ـ[ابو حيان]ــــــــ[27 Sep 2003, 01:18 م]ـ

هذه البداية في عرض سور القرآن على "أهل التفسير" وسأبدأ بسورة البقرة حتى أنهي ما عندي فيها على حلقات متتابعة ومن عنده فيها شيء فليفدنا به على ما ذكر لكم ذلك في المقال السابق بعنوان: ملتقى أهل التفسير ومجاهد رحمه الله تعالى

(1) قوله تعالى: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)

بعد أن قرأت تفسيرها والأقوال التي فيها خرجت بهذا التقرير وأنا أعرضه عليكم لتبينوا لي هل هو صحيح أم لا؟

الآية فيها قولان:

الأول: انها ضربت لقوم آمنوا حقيقة وأضاء الإيمان قلوبهم ثم كفروا فيكون قوله: (فلما أضاءت ما حوله) مثلا لكون الإيمان دخل قلوبهم وقوله (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) مثلا لكفرهم وخروجهم من الإيمان الذي دخل قلوبهم.

الثاني: انها ضربت لقوم دخلوا في الإسلام نفاقا فيكون قوله (فلما أضاءت ما حوله) مثلا لما حصلوه من المنافع في الدنيا من أمنهم من السيف ومناكحتهم للمسلمين ومقاسمتهم للفيء ونحو ذلك ويكون قوله (ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) مثلا لما يحصل لهم يوم القيامة من العذاب.

لكن لو قيل إن الثاني هو الأرجح لان الآية واضح أنها مضروبة للمنافقين الذين سبق عرض صفاتهم وهم لم يذكر أنهم آمنوا حقيقة بل قال الله (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)؟

(2) المثل بعد المثل السابق في قوله تعالى (أو كصيب من السماء) فهو مما أشكل علي كلام العلماء فيه كثيرا ولم أستطع ان افهمه على معنى مضطرد في جميع فقراته وكلما قرأت كلام المفسرين فيه ازددت حيرة فأفيدوني جزاكم الله خيرا أو دلوني على أفضل من تكلم في توضيح هذا المثل.

فقد ضرب بهم المثل بقوم في ليلة مطيرة شديدة المطر في مطرها رعد قوي يجعلهم يجعلون أصابعهم في آذانهم وبرق خاطف لكنهم يبصرون به شيئا من الطريق إذا أضاء وإذا أظلم البرق وقفوا ولم يستطيعوا التحرك

فما هو وجه الشبه بين حالة المنافقين وحالة هؤلاء

وأنا اضرب مثلا واحدا لاضطراب بعض المفسرين فيه

جعل ابن كثير البرق مثلا لما يلمع في قلوب المنافقين من نور الإيمان في بعض الأحيان ثم لما جاء عند قوله (يكاد البرق يخطف أبصارهم) قال: أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها على الإيمان؟

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[30 Sep 2003, 06:06 ص]ـ

بسم الله

تعليقاً على المسألة الأولى التي ذكرتها يا أخي الكريم في بيان معنى المثل الأول، وأي القولين أرجح = أقول:

لعل القولين صحيحان، ولا تعارض بينهما، فالمنافقون على أحوال مختلفة، منهم من آمن ثم كفر كما صرح القرآن بذلك في قوله تعالى: (ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا ... ) في سورة المنافقين، ومنهم من لم يؤمن، ولكنه انتفع بإظهاره الإسلام.

ومن بلاغة القرآن أن أمثاله تتمل أكثر من معنى، قال الطاهر ابن عاشور: (ومن بلاغة القرآن صلوحية آياته لمعان كثيرة يفرضها السامع) [التحرير والتنوير 2/ 112].

وعبارة ابن كثير في تقرير معنى هذا المثل من العبارات الرصينة حيث قال:وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى لو كان ضياء لما أبصر فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم عوضا عن الهدى واستحبابهم الغي على الرشد. وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم. وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال والتشبيه هاهنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين. وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى" ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين " والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ولم يستحضر ابن جرير هذه الآية هاهنا وهي قوله تعالى " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " فلهذا وجه هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان أي في الدنيا ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة.

وأما المسألة الثانية في بيان المثل الثاني فلعلك تقرأ ما كتبه ابن القيم في تقرير معنى المثل في أكثر من موضع في كتبه [إعلام الموقعين، والوابل الصيب، واجتماع الجيوش الإسلامية] وهي مثبتتة في تفسيره المجموع، وسيتضح لك إن شاء الله معنى المثل.

ولا إشكال في كلام ابن كثير الذي أوردته؛ لأنه أراد جمع أقوال السلف في ذلك، وهي تحمل معانٍ متنوعة، وهذا من بلاغة القرآن كما أشير إلى ذلك سابقاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير