[ملح التفسير ولطائفه (2)]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[03 Jul 2003, 02:22 م]ـ
[ملح التفسير ولطائفه (2)]
قبل أن أبدأ الموضوع الذي سأطرحه في ذكر بعض المعتنين بملح التفسير ولطائفه، وذكر بعض النقول التي نصَّ العلماء على لطافتها = أذكر سؤالاً وجَّهه لي بعض الأصحاب، وهو: هل للملح واللطائف حدٌّ تُعرف به، بحيث يقال: إن هذه المعلومة من اللطائف، وتلك ليست من الطائف؟
وهو سؤالٌ وجيه، ومهم في هذا الباب، وليس عندي فيه غير بادي الرأي، وإني لأتمنى أن يتولى أحد الباحثين هذا الموضوع، ويوليه عنايته، ليخرج بفوائده.
والذي يمكن القول به الآن:
1 ـ أن ذلك مبني على معرفة صلب العلم أوَّلاً، فإذا تحدَّد صلب العلم، فإنه يمكن أن يفيد في معرفة ما وراء صلبه من اللطائف وغيرها.
2 ـ أن اللطائف إذا لم تعلم، فإنها لا تؤثر في فهم متن المسألة وأصلها، وإذا عُلِمت فإنها تزيد المسألة من جهة العلم بها لطيفةً، لا من جهة أصل المسألة.
3 ـ أنَّ اللطائف تختلف من حيث درجة القوة والقبول، فقد تكون بعضها من القوة بحيث يكاد يتفق عليها القراء، لما يرون من حسنها.
وقد يُختلَف في بعضها، وهذا ما يحتاج إلى بيان ضوابط قبول تلك اللطائف، ومعرفة طريقة تصحيحها.
واللطائف كغيرها من مسائل أصل العلم، فشروط قبول القول في مسألة علمية يندرج على شرط قبول اللطائف، وإن كان قد يُتخفَّفُ في بعض ذلك؛ لأن اللطيفة ـ كما قال الطاهر ابن عاشور ـ كالزهرة تُشَمُّ ولا تُحكُّ، فإعمال التحقيق العلمي التامِّ لها قد يُخرجها من ملح العلم إلى ما دون ذلك.
ويظهر أن بعض الشروط لابدَّ منها، كأن تكون المعلومة المذكورة على أنها من الملح واللطائف صحيحة في ذاتها، وهذا الشرط لو طُبِّقَ على بعض ما سًمي بالملح واللطائف لربما زال عنها هذا الوصف.
وبعد هذا أرجع إلى الموضوعين اللذين خصصت لهما هذه المقالة.
أولاً: بعض المفسرين المعتنين باللطائف:
الزمخشري (ت: 538). في الكشاف.
الرازي (ت: 606) في التفسير الكبير.
البقاعي (ت: 885) في نظم الدرر.
أبو السعود (ت: 951) في إرشاد العقل السليم.
شيخ زاده (ت: 951) في حاشيته على البيضاوي.
الخطيب الشربيني (ت: 977) في السراج المنير.
الشهاب الخفاجي (ت: 1069) في حاشيته على البيضاوي.
سليمان الجمل (ت: 1204) في حاشيته على الجلالين.
الآلوسي (ت: 1270) في روح المعاني.
القاسمي (ت: 1332) في محاسن التأويل.
الطاهر بن عاشور (ت: 1393) في التحرير والتنوير.
ثانيً أمثلة للملح واللطائف:
1 ـ قال ابن عطية: ((والبسملة تسعة عشر حرفا.
فقال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم: (عليها تسعة عشر) ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم: بسم الله الرحمن الرحيم، فمن هنالك هي قوتهم، وباسم الله استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذه من مُلَحِ التفسير وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر: إنها ليلة سبع وعشرين مراعاة للفظة هي في كلمات سورة (إنا أنزلناه)
ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا؛ قول القائل: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فإنها بضعة وثلاثون حرفا؛ قالوا: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول)). المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي (1: 61).
ومن باب التنبيه على ما يسمى بـ (الإعجاز العددي) أذكر بعض الأمور على سبيل البحث لا التقرير:
أولاً: أنه قد ورد في بعض آثار السلف اعتبار العدد في بعض الاستنباطات، لكنها ليست كثيرة، ولم يبنوا عليها معرفة المغيبات.
ثانيًا: أن ما ظهر من ذلك فإنه من الملح واللطائف، وليست من متين العلم كما ذكر ابن عطية.
ثالثًا: أن كثيرًا مما حُكمَ فيه بالإعجاز العددي يدخله التحكُّم، وذلك بعدِّ شيء وترك شيء ليوافق العددُ المسألةَ التي سيق من أجلها، ولو تتبع بعض المعتنين بهذا الباب طريقة أهل العدد هؤلاء، فلا أشكُّ أن سيجد كثيرًا من تحريف الأرقام لتوافق المسألة التي يريدون إثباتها.
¥