[هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟ [تعقيب على رأي الحافظ ابن عبد البر في هذه المسألة]]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[18 Oct 2003, 08:36 ص]ـ
بسم الله - عليه توكلت وبه أستعين
هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟
اختلف الناس في هذه المسألة مع أنه لاينبغي الخلاف فيها؛ وذلك لورود النصوص التي تدل بوضوح على أن بعضه أفضل من بعض.
وقد ذكر خلاف الناس في هذه المسألة كل من الزركشي في البرهان (1)، والسيوطي في الإتقان (2).
وسوف أذكر ملخص ما ذكراه بعد ذكر رأي الإمام ابن عبدالبر - إن شاء الله - ثُمَّ أذكر القول الصواب في هذه المسألة مستمداً من الله العون والسداد.
يرى ابن عبدالبر - رحمه الله - أنه لاينبغي أن نفضل بعض القرآن على بعض؛ لأن القرآن كلام الله، وصفة من صفاته؛ ولو قلنا بأن بعضه أفضل من بعض للزم من ذلك دخول النقص في المفضول منه.
فبعد أن ذكر أقوال العلماء في معنى الحديث الوارد في فضل سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وأنها تعدل ثلث القرآن، وبيّن أن المعنى الذي يشهد له ظاهر الحديث أنها تعدل في الثواب لمن تلاها ثلث القرآن، قال: (وهذا هو الذي يشهد له ظاهر الحديث، وهو الذي يفر منه من خاف واقعة تفصيل القرآن بعض على بعض، وليس فيما يعطي الله عبده من الثواب على عمل يعمله ما يدل على فضل ذلك العمل في نفسه، بل هو فضله عزوجل يؤتيه من يشاء من عباده على ما يشاء من عباداته تفضلاً منه على من يشاء منهم، وقد قال الله عزوجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ)} [البقرة: 106].
ولم يختلف العلماء بتأويل القرآن أنها خير لعباده المؤمنين التالين لها والعاملين بها إمَّا بتخفيف عنهم وإمَّا بشفاء صدورهم بالقتال لعدوهم لا أنها في ذاتها أفضل من غيرها.
فكذلك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} خيرٌ لنا، لأن الله يتفضل على تاليها من الثواب بما شاء، ولسنا نقول [هي] في ذاتها أفضل من غيرها لأن القرآن عندنا كلام الله وصفة من صفاته، ولايدخل التفاضل في صفاته لدخول النقص في المفضول منها) (3) ا هـ.
وهذا القول الذي اختاره ابن عبدالبر - رحمه الله - هو القول الأول في هذه المسألة، وهو الذي ذكره الزركشي بقوله: (فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر، وأبو حاتم ابن حبان وغيرهم إلى أنه لا فضل لبعضه على بعض؛ لأن الكل كلام الله، وكذلك أسماؤه تعالى لا تفاضل بينها، وروى معناه عن مالك، قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها، واحتجوا بأن الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه.
قال ابن حبان في حديث أبيّ بن كعب - رضي الله عنه -: {ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن}: إن الله لايعطي لقارئ التوارة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن، إذ الله بفضله فضّل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مِمَّا أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه ... قال: وقوله: {أعظم سورة} أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض) (4) ا هـ.
وأمَّا القول الثاني في هذه المسألة فهو القول بالتفضيل، أي أن بعض القرآن أفضل من بعض، وهو القول المأثور عن السلف، وهو الذي عليه أئمة الفقهاء من الطوائف الأربعة وغيرهم، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
قال السيوطي في الإتقان: (وذهب آخرون إلى التفضيل لظواهر الأحاديث، منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن العربي، والغزالي.
وقال القرطبي: إنه الحق، ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين (5).
وقال ابن الحصّار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك، مع النصوص الواردة بالتفضيل) (6) ا هـ.
وأقول أنا أيضاً: إنه لعجيب أن يرد مثل هذا الخلاف في هذه المسألة مع أن النصوص والأدلة الكثيرة تدل على التفضيل بل إن العقل يدل على ذلك مع دلالة الشرع.
¥