[المنهج السديد في عرض مادة التوحيد]
ـ[أبو تيمية]ــــــــ[31 Oct 2003, 01:46 م]ـ
[المنهج السديد في عرض مادة التوحيد]
تجربة ذاتية لتدريس مادة العقيدة
بقلم: د. أحمد بن أحمد شرشال
لماذا مادة التوحيد؟!
من خلال تجاربي الشخصية الطويلة مع شرح ابن أبي العز لمتن الطحاوي رحمه الله لمست عزوفاً ونفوراً من قِبَلِ بعض الطلاب في القسم الجامعي عن فهم واستيعابه هذا الشرح.
ولا غرو في ذلك؛ فقد كنت أعاني شيئاً من ذلك وأقاسيه عندما كنت طالباً؛
لأن أستاذ هذه المادة كان يتلو علينا هذا الشرح، ويردد كل ما فيه؛ ولا ندري كيف
دخل في الموضوع، ولا كيف خرج منه؟
ولما صرت إلى ما صار إليه، وأُسند إليّ تدريس هذه المادة وقعت فيما وقع
فيه أستاذي، وانتابتني حيرة وارتباك في عرض الموضوع، وأدركت عدم انسجام
الطلاب مع هذه المادة الأساسية؛ بل إنني سمعت كلاماً منهم فيه بعض التهوين من
شأن مادة العقيدة.
فتوقفت ملياً في النظر في إعراض بعض الطلاب ونفورهم من هذه المادة،
وقلّبت الأمر على جميع وجوهه في محاولة لاستكناه الحقيقة وتشخيص الداء.
وبينما كنت أفكر إذ لاح لي أن المنهج والطريقة في عرض موضوعات
العقيدة بأسلوب السرد، وكثرة حكاية ضلال المتكلمين، ورصد شبهاتهم؛ هو الذي
سبّب هذا النفور، وعكس هذه الحال؛ فضاع القصد في خضم هذا الركام لا في
العقيدة نفسها معاذ الله وإنما هو في العرض والتقديم.
ومن ثم قمت بهذه المحاولة عساها تكون مرغوبة، وسطرت هذه الفكرة علها
تكون مفيدة، وجعلت ذلك بعنوان: (المنهج السديد في عرض مادة التوحيد).
وطبقت هذا المنهج وهذه الطريقة في تدريسي لهذه المادة الأساسية، فوجدت
أثره في الطلاب نافعاً والإصغاء إليه كاملاً والتطلع إليه سريعاً، وتحول النفور إلى
رغبة، والخروج من المحاضرة إلى حضور واستقرار، وظهر البِشْر على محياهم؛ وكلما دخلت عليهم قابلوني بوجوه مستبشرة، وساد في القسم الوئام والاحترام
والتقدير.
ومن باب: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ... )، رأيت
أن لا أستأثر بذلك، فأسطِّر تجربتي، وأنقلها لإخواني.
أصل المنهج المقترح:
أقول ومن الله أستمد العون والتوفيق: إن هذه الطريقة لم تخرج عن المنهج
السلفي، وقصارى ما فيها الجمع والحصر للآيات القرآنية والأحاديث النبوية في
الموضوع، ثم شرح هذه الآيات؛ وعن طريق المقارنة والموازنة نصنف المعاني
المشتركة بطريق الشرح اللغوي لمفردات الموضوع وعناصره الأساسية؛ وهذا لا
يكون إلا بعد الاستقراء والاستنتاج، وإن كان هذا العمل مرهقاً للأستاذ إلا أن
نتائجه النافعة تنسيه مشقة البحث.
وبعد ذلك نعقب، ونورد كلام العلماء ونصوص الأئمة: قبولاً، ورداً،
ومناقشة واقتباساً واستشهاداً وهنا يكون محل رد الشبهات ودحضها إن كانت لا تزال
قائمة، وقد تتهاوى تلقائياً.
نماذج تطبيقية:
مفهوم العرش في اللغة والقرآن: وأضرب لذلك مثلاً حياً تطبيقياً إذا كنا
بصدد شرح قول الإمام الطحاوي رحمه الله: ( .. والعرش والكرسي حق .. ) [1].
معنى هذه الجملة: أن العرش والكرسي حق ثابت بالكتاب والسنة، و (حق)
خبر المبتدأ وهو (العرش) قال ابن مالك:
والخبر الجزء المتم الفائدة كالله بر والأيادي شاهدة
واقتداء بقوله تعالى:] وَاًتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [[البقرة: 189] على أحد
وجوه التفسير؛ فإن بابنا الوحيد الذي نلج منه إلى هذا الموضوع هو القرآن والسنة.
ونبدأ بالجزء الأول؛ لأن كلام الطحاوي تضمن موضوعين: العرش،
والكرسي؛ وكلاهما ثابت بدلالة الكتاب والسنة كما سيأتي مفصلاً.
ونقول: إن مادة: (عرش) في جميع صيغها وردت في ثلاث وثلاثين موضعاً
في كتاب الله مختلفة الصيغ والأبنية، وتتفق في معنى مشترك وهو العلو والارتفاع.
قال القرطبي: (وأصل التعريش: الرفع. يقال: عرش يعرش، إذا بنى
وسقف) [2].
وقوله:] وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [الواردة في البقرة والكهف والحج
معناها: خلت من السكان، وتهدمت، وسقطت سقوفها.
العرش: سقف البيت. والعروش: الأبنية المسقفة بالخشب. يقال: عرش
الرجل يعرش: إذا بنى وسقف بخشب. والعريش سقف البيت.
قال القرطبي: (وكل ما يتهيأ ليظل أو يكنّ فهو عريش، ومنه عريش
¥