[فهم القرآن وتدبره]
ـ[أبو تيمية]ــــــــ[31 Oct 2003, 01:53 م]ـ
[فهم القرآن وتدبره]
للدكتور أحمد شرشال
القرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة اللفظية فحسب؛ بل نزل من أجل هذا
ومن أجل ما هو أعم وأكمل؛ وهو فهم معانيه وتدبر آياته ثم التذكر والعمل بما فيه، وهو المنصوص عليه في قوله - تعالى -:] ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو
عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم [[البقرة: 129].
إن تلاوة كتاب الله - تعالى - تعني شيئاً آخر غير المرور بكلماته بصوت أو
بغير صوت، إنها تعني تلاوته بفهم وتدبّر ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد
ذلك وسلوك.
إن تلاوة كتاب الله لا تعني الحرص على إقامة المدّ والغنّة ومراعاة الترقيق
والتفخيم فحسب؛ وإنما تعني ذلك مع ترقيق القلوب وإقامة الحدود.
وقد عد شيخ الإسلام ابن تيمية المبالغة والحرص في تحقيق ذلك وسوسة
حائلة للقلب عن فهم مراد الله - تعالى -[1].
والأمر الجامع لذلك: كما أننا مُتعبدُون بقراءة ألفاظ القرآن صحيحة وإقامة
حروفه على النحو الذي يرضيه - جلّ وعلا - متعبدون بفهم القرآن والتفقه فيه
دون سواه، والاستغناء به عن غيره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما
اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم
السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [2].
قال - تعالى -:] الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته [[البقرة:121] وقد فسر قتادة أن الصحابة هم الذين كانوا يتلونه حق تلاوته [3].
والتلاوة لها معنيان:
أحدهما: القراءة المرتلة المتتابعة، وقد أمر الله بها رسوله صلى الله عليه
وسلم في قوله تعالى:] وأمرت أن أكون من المسلمين. وأن أتلو القرآن [
[النمل: 91، 92]. وكان يتلوه على كفار قريش قال - تعالى -:] قل لو شاء الله ما تلوته عليكم [[يونس: 16].
والثاني: الاتباع؛ لأن من اتبع غيره يقال تلاه؛ ومنه قوله - تعالى -:] والقمر إذا تلاها [[الشمس: 2]، روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: (يتبعونه حق اتباعه)، ثم قرأ:] والقمر إذا تلاها [أي: اتبعها [4].
ونقل القرطبي عن عكرمة قوله: (يتبعونه حق اتباعه باتباع الأمر والنهي
فيُحلون حلاله، ويحرمون حرامه ويعملون بما تضمنه) [5]، أقول: والجمع بين
المعنيين هو المتعين، ويصح فيها جميعاً؛ فالتلاوة بإقامة الألفاظ وضبط الحروف،
ثم العمل بما تضمنته الآيات المتلوة، وعبّر عن الفهم والتدبر بالتلاوة حق التلاوة
ليرشدنا إلى أن ذلك هو المقصود من التلاوة، وليس مجرد التلاوة وتحريك اللسان
بالألفاظ بدون فهم وفقه واهتداء.
وقد بين عبد الله بن مسعود رضي الله عنه معنى حق التلاوة فقال: (والذي
نفسي بيده! إن حق تلاوته أن يُحِلَّ حلالَه، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله،
ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوَّل منه شيئاً على غير تأويله) [6]، وهذا
البيان من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واسع وجامع لمعنى التلاوة، وهي
قراءته كما أنزل، وفهمه وتفسيره والعمل به.
ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - لا يتجاوزون خمس آيات أو عشراً
حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل.
قال أبو عبد الرحمن السلمي - أحد أكابر التابعين -: حدثنا الذين كانوا
يُقرِئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا
من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من
العلم والعمل، قالوا: (فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً) [7].
وروى الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان
الرجلُ منَّا إذا تعلمَ عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرفَ معانيهن والعمل بهن) [8]، وهذا يدلُّ على أن الصحابة - رضي الله عنهم - نقلوا عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة [9]؛ فبين لأصحابه معاني القرآن
كما بين لهم ألفاظه:] وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [
¥