هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها؟
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[22 Oct 2003, 02:13 ص]ـ
هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها؟
الحمد لله القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه الغرِّ الميامين، وعلى تابعيهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإنَّ هذا الموضوع كان مما يشغلني منذ زمن، وكنت كلما أردت الكتابة فيه صرفتني عنه صوارف، وقد رأيت أنه لابدَّ من الإشارة التي تغني عن العبارة، وأنه لابدَّ من الذبِّ عن هذا الإمام العظيم الذي لا أدَّعي له العصمة ـ كلا وحاشا ـ وإنما المراد بيان منهجه الذي سار عليه في نقد القراءة، والذي لم يكن بدعًا فيه.
وهنا يحسن التنبيه على أمرين غير متلازمين، وهما:
الأول: احترام العالم وطريقته العلمية ورأيه الذي يذهب إليه.
والثاني: ردُّ رأيه إذا كان مخالفًا للصواب.
فالأولى لا يلزم منها قبول كلِّ رأي يصدر عنه، والثانية لا يلزم منها عدم احترامه وتقديره.
والمقصود هنا أنَّ المسلم مأمور باتباع الحقِّ لا الرجال، فإذا ظهر له أنَّ الحقَّ ليس مع هذا العالم بل مع غيره لزمه اتباع الحقِّ.
وقد تكوَّنت عندي خلال دراسة هذا الموضوع = أفكار في موضوع تواتر القراءات وما يتعلق بكتبها وتاريخها، وكذا موضوع القراءات عند الطبري، ولعل الله يعينني على إتمام تحريرها، وعرضها من خلال هذا الملتقى المبارك أو من خلال كتاب يجمع أشتات تلك المسائل، والله الموفق.
وأعود إلى أصل المسألة فأقول:
هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها؟
إنَّ الجواب عن هذا السؤال يلزم من البحث في أمرين:
الأول: مفهوم التواتر، وهذا يحتاج إلى بحث مستفيضٍ مستقلٍّ؛ لأنه قد أصابه غبشٌ وعدمُ وضوحٍ، فالتواتر في كل علم يختلف، ولا تكاد تجدُ هذه العبارة في كتب السابقين، وإنما تجد عندهم: (قراءة العامة / القراءة المستفيضة / القراءة المشهورة / قراءة قراء الأمصار) وغيرها من المصطلحات التي تدلُّ على شيوع القراءة وانتشارها، أمَّا لفظ التواتر فلم أقف عليه عند من قبل الطبري (ت: 310)، ولا عند ابن مجاهد (ت: 324) الذي سبَّع السبعة، ولا عند الداني (ت: 444) في كتابه التيسير، الذي اعتمده الشاطبي (ت: 590) ونَظَمَهُ في قصيدته اللامية التي صارت تُعرف بالشاطبية. وإنما جاء هذا المصطلح متأخِّرًا بعد تسبيع السبعة بزمنٍ.
فابن مجاهد (ت: 324) يقول في كتابه السبعة (ص: 49): ((والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوَّليهم تلقِّيًا، وقام بها كل في مصر من هذه الأمصار رجلٌ ممن أخذ من التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه، وتمسكوا بمذهبه)).
وقال في موطن آخر من مقدمته لهذا الكتاب (ص: 87): ((… فهؤلاء سبعة نفرٍ من أهل الحجاز والعراق والشام، خلفوا في القراءة التابعين، وأجمعت على قراءتهم العوامُّ من أهل كلِّ مصر من الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفًا شاذًّا فيقرأ به، من الحروف التي رُويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخلٍ في قراءة العوامِّ، ولا ينبغي لذي لبٍّ أن يتجاوز ما مضت عليه الأمة والسلف بوجه يراه جائزًا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه)).
استطراد: من باب المناسبة أدعو الإخوة المتخصصين في العلوم إلى إقامة مدارسات في مقدمات كتب العلوم، ففيها نفائس وقواعد وفوائد لا تُحصى، كما أنها تبيِّن مناهج المؤلفين وشيئًا من مصطلحاتهم وعباراتهم، وقد لمست ذلك في قراءتي لبعض مقدمات كتب التفسير وغيرها من كتب التخصص مع بعض الأصحاب، وفقني الله وإياكم إلى الصواب.
وقال الداني (ت: 444) في التيسير (ص: 2): ((… ويتضمن من الروايات والطرق ما اشتهر وانتشر عند التالين، وصحَّ وثبت عند المتصدرين من الأيمة المتقدمين)).
¥