تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التعليق على الوقف اللازم في قوله تعالى: (ماذا أراد الله بهذا مثلا)]

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[03 Nov 2003, 06:19 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد طلب مني بعض الإخوة في هذا الملتقى أن أطرح بعض المسائل التي ناقشتها في رسالة الماجستير، وكانت بعنوان (وقوف القرآن وأثرها في التفسير)، وقد استحسنت هذه الفكرة، فرأيت أن أطرح منها ما تيسر.

وسأبدأ هذا الطرح بالتعليق على أول وقف لازم في مصحف المدينة النبوية، وهو الوقف الوارد في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26).

فأقول مستعينًا بالله:

الوقف اللازم في هذه الآية على قوله تعالى: (مثلاً) الثانية.

فما معنى الكلام بناءً على هذا الوقف؟

إن لزوم الوقف على قوله تعالى: (مثلاً) يدل على انفصال الجملة من قوله تعالى: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً) عمَّا بعدها، فتمَّ هنا كلام الكفار.

ثم أعقبه الله جل ذكره ببيان فائدة المثل بقوله تعالى: (يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً)، فهذا من الله ابتداءُ كلامٍ تعقيباً على قولهم، و رداً عليهم.

وما الإشكال الوارد في الوصل لو وصل القارئ؟

ولو وصل القارئ قوله تعالى: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا) لأوهَمَ أن قوله تعالى: (يضل به كثيراً …) من تمام قول الكفار.

وقد أورد المفسرون هذين المعنيين السابقين، و اختار أكثرهم الوقف على قوله تعالى: (مثلاً)، وأعلُّوا المعنى الثاني.

قال أبو جعفر الطبري: (يعني بقوله جل و عز: (يضل به كثيراً) يضل الله به كثيراً من خلقه , و الهاء في (به) من ذكر المثل، و هذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدأ، و معنى الكلام أن الله يضل بالمثل الذي يضر به كثيراً من أهل النفاق و الكفر)) (1)

ثم استدل لصحة هذا الوقف بما جاء في سورة المدثر من قوله تعالى: (وليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل به من يشاء و يهدي من بشاء).

قال الطبري: ((وفيما في سورة المدثر من قول الله: (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) ما ينبئ عن أنه في سورة البقرة كذلك مبتدأ، أعني قوله: (يضل به كثيراً))) (2).

وقد تبع الطبريَّ في الاستدلال بهذه الآية على صحة الوقف في آيه البقرة أبو جعفر النحاس حيث قال: ((والأَولى في هذا ما قاله أبو حاتم، والدليل على ذلك ... )) (3). ثم ساق آيه المدثر.

و قال الشوكاني: ((وقوله: (يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً) هو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بـ (أما)، فهو خبر من الله سبحانه)) (4).

و قال ابن جزي الكلبي: (((يضل به) من كلام الله جواباً للذين قالوا ماذا أراد الله بهذا مثلا، وهو أيضاً تفسير لما أراد الله بضرب المثل من الهدى والضلال)) (5).

و ممن اختار هذا المعنى: السُّدِّيُّ، ومقاتل؛ كما نقل ذلك عنهما ابن الجوزي في تفسيره (6).

واختاره السجاوندي (7)، وأبو حيان في تفسيره (8)، ومن نقلتُ أقوالَهم فيما سبق.

و اختار المعنى الثاني ـ وهو أن يكون الكلام من تمام كلام الكفار ـ: الفراء (9) وابن قتيبة (10).

قال الفراء: ((وقوله: (ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً)؛ كأنه قال ـ والله أعلم ـ: ماذا أراد الله بهذا بمثل ـ لا يعرفه كل أحد ـ يضل به هذا ويهدي به هذا. قال الله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة: من الآية26))) (11).

وقد اعتُرضَ على قول الفراء بما يأتي:

أن الكافرين لا يُقرُّون بأن في القرآن شيئاً من الهداية، ولا يعترفون على أنفسهم بشيء من الضلالة (12).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير