ثم يعقد ثلاثة فصول بين يدي التفسير وهي في فضائل القرآن وتعليمه وفي فضائل تلاوة القرآن، وفي وعيد من قال في القرآن برأيه.
ثم يبين معنى التفسير والتأويل والفرق بينهما ومعنى نزول القرآن على سبعة أحرف. ثم ينطلق إلى تفسير كتاب الله تعالى سورة سورة من سورة الفاتحة حتى سورة الناس.
(البغوي ومنهجه في التفسير) عفاف عبدالغفور.
وقد عرض الإمام البغوي – رحمه الله – لتفسير كتاب الله وشرح معانيه بأسلوب سهل واضح لا لبس فيه ولا غموض ولا صعوبة, ولا توعر في لغته، ويلاحظ على تفسيره الابتعاد عن ذكر التفاصيل والاسترسال في المسائل الفرعية وبعده عن الحشو والتكرار والتطويل.
وطريقته في تفسيره تأتي في ذكر اسم السورة وعدد آياتها وبيان مكيها ومدنيها وقد يفصّل فيذكر الآيات المكية في المدينة والعكس ثم يسوق أسباب النزول إن كانت السورة قد نزلت في مناسبة معينة، وقد يعرض خلال التفسير لأسباب نزول بعض الآيات الخاصة فيها.
وللبغوي منهج متميز في التفسير يعتمد على عناصر أساسية وهي: اعتماده على المأثور من الكتاب والسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين مع عنايته بالقراءات واللغة والنحو بإيجاز يحقق فهم الآيات، وذكره لمسائل العقيدة والأحكام الفقهية بطريقة مختصرة. وهذا تفصيل منهجه في التفسير.
اعتماده على الكتاب والسنة:
إن آي القرآن الكريم يوضح بعضها البعض الآخر فما أجمل وأوجز في موضع من القرآن الكريم قد فسر وبين في مكان آخر، وقد تخصص آيةٌ عموم آية سابقة، والمهم أن كتاب الله تعالى يوضح بعضه البعض الآخر. وتأتي السنة المطهرة بعد كتاب الله في تفسير آي القرآن الكريم، وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة الموضحة لآيات كتاب الله ذات أهمية كبيرة. قال تعالى: ×وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون÷. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا إنني أوتيت الكتاب ومثله معه).
وقد أدرك الإمام البغوي – رحمه الله – أهمية هذه الصلة بين آيات كتاب الله تعالى بعضها بالبعض الآخر وبينها وبيَّن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. حين قرر معنى التفسير وجعله مما يجب أن يكون مسوقاً بطرق ثابتة. وهكذا عني البغوي – رحمه الله – كثيراً بإيراد نصوص من القرآن في تفسير معنى الآية من القرآن، كما كانت عنايته أكبر وأبعد مدى في كثرة إيراده لنصوص الأحاديث النبوية.
أولاً: تفسير القرآن بالقرآن وبعض الأمثلة على ذلك:
يعتمد تفسير (معالم التنزيل) على كتاب الله تعالى اعتماداً كبيراً، وتطرد ظاهرة التمثيل والاستشهاد بآيات القرآن لبيان معنى الآيات الأخرى وهناك من الأمثلة في تفسيره الكثير.
.
ثانياً: تفسير القرآن بالسنة وبعض الأمثلة على ذلك:
يعتبر الإمام البغوي محي السنة – رحمه الله – وأبرز أعلام عصره في ميدان الحديث والسنة، ولم يزل كذلك في العصور التالية لما تركه من آثار ومؤلفات نفيسة في السنة النبوية وعلى رأسها (مصابيح السنة) و (شرح السنة).
وقد ترك اهتمامه الكبير وشغفه العظيم بالسنة سمة بارزة في تفسيره، فجاء (معالم التنزيل) تفسيراً حافلاً بالنصوص الحديثية الصحيحة والحسنة والذي يؤكد اهتمامه بالحديث إدراكه للصلة الوثيقة بين الكتاب والسنة، فهو يقول في مقدمة تفسيره: (إن الكتاب يُطلب بيانه من السنة وفيها مدار الشرع وأمور الدين).
ويتميز البغوي – رحمه الله – في تفسيره بجودة اختياره وانتخابه لنصوص الحديث التي يوردها في مطاوي التفسير وتحريه، وحرصه على الصحيح منها، وبُعده وإعراضه عن الضعيف والمنكر من الأحاديث مما لا يتناسب ولا يتفق مع تفسير كتاب الله تعالى، وحول هذا يقول – رحمه الله – في مقدمة تفسيره: (وما ذكرتُ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الكتاب على وفاق آية أو بيان حكم فهي من الكتاب المسموعة للحفاظ وأئمة الحديث، وأعرضت عن ذكر المناكير وما لا يليق بحال التفسير).
ولا غرابة أن نجد من البغوي – رحمه الله – هذه العناية الكبيرة بالحديث، فهو ذو قدم راسخة، وذو اهتمام أصيل بالحديث النبوي.
¥