وعليه فإذا كانت جميع المكفرات تتوقف على إقرار صاحبها بقصده للكفر فهي بذلك ترجع جميعا إلى الحالة الثالثة وهي مسالة العمل المحتمل الدلالة والقصد المحتمل والتي يتوقف فيها الحكم على المكلف وقصده من عمله،وفي هذا إبطال لدلالة الأعمال المكفرة على ذلك وجعلها بمنزلة الأعمال محتملة الدلالة التي يستفصل عن قصد صاحبها من عمله هل أراد به الكفر أم لا؟!
.... وهذا كله لم يسبق إليه الشيخ وفقه الله ...
- قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" الإيمان والنفاق أصله في القلب وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ له ودليل عليه، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه. ومعلومٌ أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصله المدلولُ عليه اهـ 2/ 453
- وقال رحمه الله:
" فلا يجوز أن يدعى أنه يكون في القلب إيمان ينافي الكفر بدون أمور ظاهرة لا قول ولا عمل وهذا هو المطلوب، وذلك لأن القلب إذا تحقق ما فيه أثر في الظاهر ضرورة لا يمكن انفكاك أحدهما من الآخر فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور " 7/ 645
- وقال:
" وهنا أصول تنازع الناس فيها، منها إن القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح وإنما يظهر نقيضه من غير خوف. فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس أنه لا بد من ظهور موجب ذلك على الجوارح "
- قال ابن القيم رحمه الله:
(الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية.
ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان. الفوائد ص 117
- وما يقال في الإيمان يقال في الولاء فإنه ركن فيه فيقال فيه أيضا" ولا يجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه "
أما كفر النفاق والذي بنى عليه الشيخ الحالة الأولى من حالات عدم التلازم ثم بنى على ذلك أن ثمة كفر باطن لا يستلزم عملا ظاهرا فهذا من أعجب ما رأيت!!
فإنه من المعلوم أن ليس ثمة عمل في القلب اسمه " نفاق " وإنما هو نوع يرجع إلى تخلف بعض الأعمال القلبية أو فسادها كأصل الإخلاص والتعظيم والمحبة وغير ذلك وكل هذا أعمال للقلوب تستلزم في الظاهر ما يحققها بحسب قاعدة التلازم بين الظاهر والباطن .. فإن كان ثمة عارض منع ذلك كخشية السيف،فإنها لا تظهر أو تظهر على وجه لا تقوم به البينة الشرعية ..
وهذا لا يقال فيه أنه لا تلازم بين الظاهر والباطن لوجود العارض والمانع الذي لا يعود على القاعدة بالإبطال أو حتى الاستثناء كما فعل الشيخ وجعله قسما في المسالة ..
والنفاق كما قلنا يرجع لتخلف أعمال القلوب ولذا حكى الله سبحانه عن المنافقين أعمال الكفر كالاستهزاء والسب وغير ذلك مما جاءت به الآيات فهل يقال أنه كفر باطن ليس من الأعمال ما يدل عليه كما فعل الشيخ بالمحبة؟!
وهذا كما يقال إن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الالوهية ومعلوم أن كثير من المشركين قد يحقق الكثير من معاني توحيد الربوبية ومع ذلك لا يوحد الله في الإلوهية لوجود العارض ولا يعود ذلك على القاعدة بالإبطال ..
- وأيضا فإن تصديق القلب يستلزم عمله من المحبة الانقياد أو بحسب الأمر المصدق به فهذا كله ما لم يكن ثمة عارض فإذا وجد عارض يحول بين تصديق القلب ومحبته وانقياده فإن هذا لا يعود على التلازم الذي بينهما بالإبطال ...
ومسالة أن هذا كفر نفاق لا يعني أن هذا الكفر كفر باطني كما يقرر الشيخ ولا يستدل بأي من الأعمال عليه وإلا فالكثير من المكفرات المجمع عليها قد ترجع في الأصل إلى كفر النفاق ككفر السب والاستهزاء:
قال تعالى:
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * أولئك الذين أشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)
فالاستهزاء في الأصل هو من عمل المنافقين فهل يقال له هو كفر نفاق باطن؟
وقال تعالى:
" يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم "
قال شيخ الإسلام:
¥