تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الذي يبدو لي - والله أعلم - أن تفسير السمعاني كان بين يدي الإمام البغوي رحمه الله وهو يكتب تفسيره، وقد استفاد منه في كتابة تفسيره ولذا ظهر هذا التشابه بينهما، ولا سيما مع توافقهما في المذهب الفقهي والعقدي رحمهما الله.

وذلك إذا علمنا أن البغوي رحمه الله قد ولد سنة 433هـ وشرع في تأليف تفسيره تقريباً سنة 464هـ وعمره فوق الثلاثين بقليل واستمر في تاليف تفسيره مدة طويلة، في حين توفي السمعاني سنة 489هـ وبقي بعده البغوي سبعاً وعشرين سنة، حيث توفي سنة 516هـ. وليس هذا دليلاً قاطعاً، غير أنه من باب الاستئناس لهذا الميل وإن كان القطع متعذراً حتى توجد بينة، ولم أستطع بعدُ معرفة متى شرع السمعاني في تفسيره وانتهى منه، وفي ظني أن هذه المعلومة سوف تقرب النتيجة بإذن الله فلعل أحد الباحثين ينشط للنظر في هذه المسألة، والله الموفق سبحانه وتعالى.

كنت في بحث عن المجاز عند أئمة أهل السنة، فتوقفت عند الإمام (أبي المظفر السمعاني) ونظرت في ترجمته، وبحثت عن أقوال الباحثين في تفسيره، فوجدت هذا الموضوع عن التشابه بين تفسيري الإمامين السمعاني والبغوي، وجرت هذه المناقشات اللطيفة، واستوقفني القول السابق للشيخ الفاضل د. عبد الرحمن الشهري.

ولقد قرأت في ترجمته أنه كان قدريًا فرجع إلى مذهب أهل السنة، وحنفيًا فصار شافعيًا، وكان ذلك في سفرته إلى الحج سنة (462هـ) بتأثير من الإمام أبي القاسم سعد الزنجاني، قال حفيده أبو سعد السمعاني: ((انتقل بالحجاز في سنة اثنتين وستين وأربعمائة إلى مذهب الشافعي رحمه الله، وأخفى ذلك وما أظهره إلى أن وصل إلى مرو)). وقد أظهره سنة (468هـ)، قال في سير أعلام النبلاء: ((قال عبد الغافر في (تاريخه): هو وحيد عصره في وقته فضلاً وطريقة، وزهدًا وورعًا، من بيت العلم والزهد، تفقه بأبيه، وصار من فحول أهل النظر، وأخذ يطالع كتب الحديث، وحج ورجع، وترك طريقته التي ناظر عليها ثلاثين سنة، وتحول شافعيًا، وأظهر ذلك في سنة ثمان وستين)) وقال الذهبي: ((وقرأت بخط أبي جعفر الهمذاني الحافظ: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت في الطواف، فوصلت إلى الملتزم، وإذا برجل قد أخذ بردائي، فإذا الإمام سعد، فتبسمت، فقال: أما ترى أين أنت؟! هذا مقام الأنبياء والأولياء، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم كما سقته إلى أعز مكان، فأعطه أشرف عز في كل مكان وزمان، ثم ضحك إلي، وقال: لا تخالفني في سرك، وارفع يديك معي إلى ربك، ولا تقولن البتة شيئًا، واجمع لي همتك حتى أدعو لك، وأمن أنت، ولا يخالفني عهدك القديم، فبكيت، ورفعت معه يدي، وحرك شفتيه، وأمنت، ثم قال: مر في حفظ الله، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة، فمضيت وما شيء أبغض إلي من مذهب المخالفين)). وفي طبقات الشافعية للسبكي: ((وعن الحسن بن أحمد المروزي قال خرجت مع الشيخ أبي المظفر إلى الحج فكلما دخلنا بلدة نزل على الصوفية، وطلب الحديث من المشيخة، ولم يزل يقول في دعائه: اللهم بين لي الحق من الباطل. فلما دخلنا مكة نزل على أحمد بن علي بن أسد الكوجي ودخل في صحبة سعد الزنجاني، ولم يزل معه حتى صار ببركته من أصحاب الحديث)). وقال أبو سعد السمعاني في ذكر أبي القاسم علي بن محمد السمعاني: ((ولما انتقل أخوه جدنا الإمام أبو المظفر من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رحمهما الله هجره أخوه أبو القاسم، وأظهر الكراهية، وقال: خالفت مذهب الوالد، وانتقلت عن مذهبه. فكتب كتابًا إلى أخيه وقال: ما تركت المذهب الذي كان عليه والدي رحمه الله في الأصول، بل انتقلت عن مذهب القدرية، فإن أهل مرو صاروا في أصول اعتقادهم إلى رأي أهل القدر)).

وهو في تفسيره يقرر مذهب أهل السنة، وينتصر لهم، ويرد على المبتدعة، وعلى القدرية.

ولا أدري عن منهجه الفقهي في تفسيره فلم أتتبع ذلك، لكن السبكي قال في طبقات الشافعية: ((وجميع تصانيفه على مذهب الشافعي رضي الله عنه ولم يوجد له شيء على مذهب أبي حنيفة)).

وعلى هذا فإن الإمام السمعاني لم يؤلف تفسيره إلا بعد أن انتهج منهج أهل السنة ورجع عن مذهب القدرية، وبعد أن أظهر انتقاله إلى مذهب الشافعي، وحصل ذلك في عام (468هـ). وإذا كان البغوي لم يشرع في تصنيف تفسيره إلا عام (464هـ) تقريبًا على ما أفاد به الشيخ عبد الرحمن، ولا أدري متى انتهى من تصنيفه، فإن السمعاني يكون قد صنف تفسيره بعد تصنيف البغوي لتفسيره أو أثناءه، فهل السمعاني هو الذي أخذ عن البغوي؟ أو أنهما وردا موردًا واحدًا؟ أرجو أن يكون ما ذكرته مفيدًا لأهل التفسير، والله أعلم.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[19 Feb 2009, 09:03 ص]ـ

شكر الله للدكتور يوسف العليوي هذه الإفادة التي لا تستغرب من مثله، وهي إضافة قيمة للموضوع.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير