تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعين التي تعني: النقد من الدراهم والدنانير، والمطر المستمر وعين الإنسان التي ينظر بها، وعين الماء، والجاسوس ...

ولاشك في أن التعبير يتسع من طريق الاشتراك، إذ يرد للفظ المشترك أكثر من معنى واحد، وهو ما يكون مادة صالحة للتورية والتجنيس عند أصحاب البديع، من مثل ما نسب إلى الخليل أن له ثلاثة أبيات على قافية واحدة يستوي لفظها ويختلف معناها:

يا ويح قلبي من دواعي الهوى == إذ رحل الجيران عند الغروب

أتبعتهم طرفي وقد أزمعوا == ودمع عيني كفيض الغروب

كانوا وفيهم طفلة حرة == تفتر عن مثل أقاحي الغروب

فالغروب الأول: غروب الشمس، والثاني: جمع غرب: وهو الدلو العظيمة المملوءة.

والثالث: جمع غرب: وهي الوهاد المنخفضة ([13]).

يفهم من هذه الأمثلة ـ وغيرها كثير في كلام العرب ـ أنّ فائدة المشترك اللفظي تقوم على الكم لا على الكيف، فهو يوسع القيم التعبيرية ويعين الشاعر والناثر على أداء الغرض.

وقد ورد شيء من هذا كثير في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى في سورة القمر:] إن المتقين في جنات ونَهَر [فجاءت كلمة (نهر) بالإفراد لا الجمع خلافاً لكلمة (جنات) قبلها التي جاءت مجموعة، وهو أمر تنفرد به في باقي الآيات القرآنية إذ لم ترد الكلمة فيها إلا مجموعة لجمع (جنات) نحو قوله تعالى:] جنات تجري من تحتها الأنهار [.

مما يرجح أنه عند إرادة تضمين كلمة (نَهَر) أكثر من معنى وفائدة جيء بها مفردة، وهو ما لا تؤديه وهي مجموعة، أضف إلى ذلك أن فواصل الآيات تقتضي (النَّهَر) وليس (الأنهار) لأن آيات السورة جاءت كلها على هذه الفاصلة أو على هذا الوزن.

هذا تفسير، وهناك تفسير آخر، وهو: دلالة النَّهَر على الجنس أي أنها اسم جنس بمعنى (الأنهار) ومن ثم هو بمعنى الجمع ([14]).

والإتيان بالواحد والمراد به الجمع كثير في كلام العرب وفي القرآن الكريم ([15])، ومن معاني (النَّهَر) التي وردت كذلك في كتب الأولين: السعة، نحو قول قيس بن الخطيم يصف طعنة:

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها == يرى قائم من دونها ما وراءها

يقصد بـ (أنهرت فتقها) وسعت فتقها ([16]).

ورد عن ابن فارس أن (النون والهاء والراء) بهذا الترتيب أصل صحيح يدل على تفتح شيء أو فتحه. تقول: أنهرت الدم إذا فتحته وأرسلته. وسمي النهر نهراً، لأنه ينهر الأرض أي يشقها، ومنه المنهرة: وهي فضاء يوجد بين البيوت تلقى فيه الكناسة ([17]).

ويبدو أن السعة المستنبطة من الكلمة في الآية عامة، تشمل: سعة المعيشة والأرزاق والمنازل. كما وردت بمعنى الضياء، لأن الجمة ليس فيها ليل، إنما هو نور يتلألأ ([18]).

ومن كل هذا يتبين أن الكلمة تعددت معانيها وكلها مطلوب. فـ (المتقون) يتنعمون في المأكل والمشرب والملبس والمسكن. إن في الجنة أنهاراً كثيرة جارية، وسعة عيش، ورزقاً كريماً، وقصوراً من ذهب وفضة، وسرراً مرفوعة، وأكواباً موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، وضياءً ونوراً حيث لا ليل ولا ظلمة.

ونجد في الموضوع نفسه كلمة (أحكم) في قوله تعالى:] أليس الله بأحكم الحاكمين [(التين: 8) فهي تحمل أكثر من معنى، فقد تكون من الحُكم، أي القضاء وأقضى الحكماء، كما أنه أحكم القضاة وأحكم الحكماء، فيكون قد اجتمع أربعة معان في كلمة واحدة كلها صالحة مقصودة ([19]).

] تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حَرَضاً أو تكونَ من الهالكين [(يوسف:85) هذه الكلمة لا تستعمل إلا في النفي، ولا تتكلم إلا مع الجحد، حتى وإن ذكرت من غير (ما) فهذه الأخيرة منوية، وهي هنا في الآية بمعنى (ما تفتأ تذكر يوسف) أي لا تزال تذكره ([20]). وتأتي بمعنى (نسي) تقول: فتئت عن الأمر أفتأ. إذا نسيته. وبمعنى أطفأ النار كذلك ([21]).

وقد تضمن الفعل في الآية كل هذه المعاني، أي أنّ يعقوب عليه السلام لا يمكن أن ينسى ذكر يوسف ولا يكف عن ذلك ولا يهدأ له بال وأن نار فراقه لا تنطفئ، وكل هذا لا يمكن تأديته بفعل آخر كـ (ما زال وما برح وما في منزلتهما) ([22]). وهذا من صور الإعجاز اللفظي والمعنوي.

2 ـ الصيغ المشتركة:

إن مجيء صيغة بمعنى صيغة أخرى كثير في لسان العرب، وكذلك اشتراك معان متعددة في صيغة واحدة. فـ (فعيل) مثلاً صيغة تشترك مع الأسماء والمصادر واسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة والصفة المشبهة، والمصدر الميمي واسمي الزمان والمكان ([23]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير