وكذلك الأمر مع اسم المفعول من الثلاثي المزيد نحو: (مُفعَّل ومُفاعَل ومفعَل) يشترك مع المصدر الميمي واسمي الزمان والمكان، وهو ما يجعل التفريق بين هذه الصيغ صعباً إلا بالرجوع إلى السياق، فكلّها تتفق في صياغتها من غير الثلاثي المجرد بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر.
فكلمة (مختار) مثلاً مشتركة بين عدّة مشتقات: اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر الميمي واسمي الزمان والمكان. فعندما نقول (هذا مختارُنا) يكون له عدّة معان محتملة، فهي اسم فاعل إذا قصدنا: هذا هو الذي اختارنا، وهي اسم مفعول إذا قصدنا: هذا هو الذي اخترناه.
ومصدر ميمي إذا قصدنا: هذا هو اختيارنا، واسم مكان إذا قصدنا: هذا مكان اختيارنا، واسم زمان إذا قصدنا: هذا زمان اختيارنا. ومنه يتبين أنه بإمكان المتكلم أن يضمِّن أكثر من معنى في تعبير واحد، وهو باب من أبواب الاتساع في المعنى ([24]).
وفي القرآن الكريم كثير من هذا القبيل من نحو كلمة (المُسْتَقَر) في قوله تعالى:] إلى ربّك يومئذ المُسْتَقَر [(القيامة:12) فهي تتضمن أكثر من معنى: فقد تفهم بمعنى الاستقرار، ومن ثم تكون مصدراً، وقد تفهم بمعنى مكان الاستقرار، ومن ثم تكون اسم مكان، ويمكن أن تكون بمعنى زمان الاستقرار فتكون اسم زمان.
ورد عن الزمخشري في شرحه الكلمة: "إلى ربك خاصة (يومئذ) مستقر العباد. أي استقرارهم: بمعنى أنّهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره وينصبوا إليه. أو إلى حكمه ترجع أمور العباد لا يحكم فيها غيره. كقوله: (لمن الملك اليوم). أو إلى ربك مستقرهم: أي موضع قرارهم من جنة أو نار" ([25]).
والمعنى نفسه نجده عند أبي حيان، فقد ذهب إلى أن معنى (المستقر): الاستقرار أو موضع استقرار من جنة أو نار ([26]).
كما يمكن أن تدل على زمان الاستقرار وهو وقت الفصل بين المخلوقات ودفعهم إلى مستقرهم، فمدّة مكوثهم في ذلك اليوم مرتبط بمشيئة الله تعالى, وهكذا فإنّ لهذه الكلمة ثلاثة معان محتملة يمكن استنباطها من الآية، ولو وضعت كلمة (الاستقرار) بدلها ما أدت هذه المعاني ([27]).
ومن نحو كلمة (حَفَدة) في قوله تعالى:] وجعل لكم من أزواجكم بنين وحَفَدة [(المحل:72) فهي تحتمل أكثر من معنى وكل مطلوب مراد، تعني: الخدم والأعوان، وقيل: أبناء المرأة من غير زوجها. وقيل: الأصهار، وقيل: ولد الولد.
وإذا بحثنا عن معنى الكلمة في المعجمات وجدناها لا تخرج عن الدلالة على الخفة في العمل والسرعة في المشي. يقول ابن فارس: "الحاء والفاء والدال أصل يدل على الخفة في العمل والتجمع. فالحَفَدة: الأعوان لأنهم يجتمع فيهم التجمع والتخفف، واحدهم حافد. والسرعة إلى الطاعة حفد ولذلك يقال في دعاء القنوت: إليك نسعى ونَحْفِد ( ... ) ويقال في باب السرعة والخفة: سيف محتفد، أي سريع القطع والحفدان: تدارك السير" ([28]).
وقد علق الطبري عند تفسيره الكلمة بقوله: "ولم يكن الله دل بظاهر تنزيله لا على لسان رسوله، ولا بحجة عقل على أنه عنى بذلك نوعاً من الحفدة دون نوع منهم. وكان قد أنعم بكل ذلك علينا، ولم يكن لنا أن نوجه ذلك إلى خاص من الحفدة دون عام، إلا ما اجتمعت الأمة عليه أنه غير داخل فيهم، وإذا كان ذلك فلكل الأقوال التي ذكرنا عمن ذكرنا وجه في الصحة ومخرج في التأويل" ([29]).
وكلمة (رَهْواً) في قوله تعالى:] واترك البحر رَهْواً إنهم جند مغرقون [(الدخان: 24) فقد تعددت الأقوال في معناها فهي بمعنى: ساكناً وبمعنى: مفتوحاً، وبمعنى طريقاً يَبَساً، وبمعنى: سهلاً، وبمعنى: منفرجاً ([30])، وكل مراد مقصود.
3 ـ الجمع بين ألفاظ وصيغ متباينة في الدلالة:
عندما نقرأ القرآن الكريم ونتدبره نجد من هذا أمثلة كثيرة من نحو قوله تعالى:] من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً [(البقرة: 245).
الفعل (يقرض) في الآية من الثلاثي المزيد (أقرض) والوجه في مصدره أن يكون (إقراضاً) ولكن جيء باسم المصدر (قرضاً) الذي هو في الوقت نفسه مصدر الفعل الثلاثي (قرض) فكأنه قال (إقراضاً) ومن ثم تحتمل كلمة (قرض) معنيين: معنى الإقراض فيكون مفعولاً مطلقاً، ومعنى القرض الذي هو بمعنى المقروض، أي قطعة من المال كالخلق بمعنى المخلوق بمعنى المخلوق أي (فَعْل بمعنى مفعول) فيكون مفعولاً به.
¥