فقل أن تجد متخصصاً في التفسير يتقن لغة أجنبية واحدة لهذا الهدف النبيل وهو خدمة هذا التخصص وتقريبه لأهل لغة من اللغات الحية التي لا يزال المسلمون الذين يتحدثون تلك اللغة يعانون معاناة شديدة في معرفتهم للإسلام كما ينبغي أن يكون.
وأغلب الذين قاموا بالترجمات المتداولة من غير أهل التخصصات الشريعة القوية التي تطمئن معها للترجمات. وبدل أن ينشط المسلمون لحل المشكلة من أصلها، نشطوا في انتقاد الترجمات المنتشرة، والكثير من الانتقادات التي وجهت إلى ترجمات تفسير القرآن الكريم، انتقادات مبنية على ترجمات الآخرين من غير المتخصصين، فلم يكن الباحث بنفسه هو الذي قام بالترجمة.
وأسجل هنا استثناء ما قام به الدكتور نجدة رمضان وفقه الله في كتابه (ترجمة القرآن الكريم وأثرها في معانيه) مع دراسة تحليلية لثماني ترجمات متداولة بست لغات هي الانجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والتركية والشركسية. وهو وفقه الله يجيد هذه اللغات وخاصة الألمانية والفرنسية والانجليزية والروسية والشركسية.
وقد أجاد الدكتور نجدة في بحثه هذا إجادة طيبة، لاعتماده في دراساته على لغته هو كباحث.
وإنني لأسطر عجبي أيها الإخوة الكرام من رجل واحد أتقن لغات حية عديدة، وكتب بها العديد من المؤلفات، وترجم منها وإليها العديد من الكتب. وهو شخص واحد هو الدكتور عبدالرحمن بدوي المصري الذي توفي قريباً جداً. له أكثر من 120 كتاباً بلغات مختلفة، ولا أريد أن يخبرني أحد بأنه صاحب مذهب وجودي أو غير ذلك، والذي يهمنا في سيرته هو هذه الهمة العالية. وأقول ألا يوجد بين أهل التفسير من يتصدى لهذا الأمر؟! أرجو ذلك.
ومن مؤلفات الدكتور عبدالرحمن بدوي كتاب بعنوان (دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي) ترجمها عن الألمانية والانجليزية والفرنسية الدكتور عبدالرحمن بدوي!!
وهناك رجل آخر هو الدكتور حسين مجيب المصري يجيد عشر لغات إجادة طيبة ويكتب بها، ولعلكم تعرفونه!! همم عالية، وإنما نبكي على هزال هممنا والله المستعان.
وهذا باب له صلة بدراسات المستشرقين حول القرآن الكريم وترجماته وترجمات معانيه، وما أكثر اهتمام المستشرقين بتاريخ القرآن وعلومه، بل إنهم ما كتبوا في مثل هذا الموضوع من موضوعات الشرق، ودراسة أعمال هؤلاء لا تغني فيها الترجمة.
وانظر إذا أردت أن تفرق بين من يبحث بناء على الكتب المترجمة، ومن يبحث بناء على قراءاته الخاصة باللغات الأصلية، فانظر إلى ما يكتبه الدكتور عبدالوهاب المسيري وفقه الله، وما يكتبه غيره عن العلمانية والصهيونية وغيرها من الموضوعات التي كتب فيها وفقه الله. تجد مصداق ما أقول.
وفقكم الله جميعاً. وجعلنا الله من أهل القرآن وخدمته.
وقد بدا لي أن أعلق بجملة من الأفكار:
أرى أن هناك فرقا بين توجيه الطلبة والأساتذة في العلوم الدينية إلى تعلم اللغات الأخرى وبين ترجمة البحوث والكتب الدينية إلى اللغات الأخرى. حيث أن الأمر الأول يمكن فيه الاكتفاء بمعرفة اللغات الأخرى بالحد الذي يسمح للطالب أن يوصل فكرته بدون تشويهها أو تحريفها، حتى لو لم يتقن اللغة الأخرى إتقانا تاما. أما الأمر الثاني فيستطلب عملا محترفا ومتقنا يسمح بنشر البحوث والكتب الإسلامية في لغة الأقوام الأخرى بالشكل الذي يكفل إقبال المتخصصين وغير المتخصصين من غير المسلمين على الاطلاع عليها في لغة جيدة تحفظ جودة الموضوع المطروح، وبالتالي يضمن سلامة الوعاء (أي اللغة) لضمان سلامة المحتوى.
وسأشرح هذا الكلام في نقطتين:
1 - من الضروري توجيه الطلبة إلى الاهتمام باللغات الأخرى في كليات العلوم الشرعية، لأن هذا الطريق مفيد كثيرا للأسباب التالية:
- نشر بحوثهم والاستفادة منها على نطاق أوسع
¥